تنجم عدوى السل Tuberculosis (TB) عن بكتيريا (المتفطّرة السليّة) Mycobacterium tuberculosis التي تصيب الرئتين في أغلب الحالات. حيث تصيب المتفطرة السلية حسب المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية ما يقدر بثلث سكان العالم، مما أدى إلى ما يقارب 8.6 مليون حالة إصابة جديدة بالسل ونحو 1.3 مليون حالة وفاة فقط في عام 2012، بما في ذلك 250000 طفل.

وحسب منظمة الصحة العالمية، حصد داء السل في عام 2019 أرواح ما مجموعه 1.4 مليون شخص (منهم 000 208 شخص من المصابين بفيروس العوز المناعي البشري)، والسل هو أحد الأسباب العشرة الرئيسية للوفاة في العالم، والسبب الرئيسي للوفاة بعامل معد واحد (إضافة إلى الأيدز والعدوى بفيروسه).

السل وعلم الوراثة.. أية علاقة!

حقق علم الوراثة البشرية تقدمًا هائلاً في السنوات الأخيرة، وأصبح نهجًا لا غنى عنه لفهم أساس الأمراض البشرية، بما في ذلك الأمراض المعدية.

موضوع علم الوراثة البشرية هو الجينات والتغيرات الجينية، هناك حوالي 20000-25000 جين مشفر للبروتين protein-coding genes في الجينوم النووي البشري human nuclear genome

 (3 مليار زوج قاعدي في الطول)، بالإضافة إلى 37 جينًا إضافيًا مشفرًا بواسطة جينوم الميتوكوندريا mitochondrial genome.

للتكيف مع البيئات المتغيرة باستمرار، كانت التغييرات في الجينات البشرية تحدث طوال التاريخ البشري من الطفرات التلقائية لجزيئات الحمض النووي DNA molecules في الجينوم البشري.

وقد تحدث الطفرات الجينية اختلافات شائعة عند الأجيال المتعاقبة، نتيجة للانحراف الجيني أو الانتقاء الطبيعي.

بسبب الانتشار الواسع لتعدد أشكال الحمض النووي، قد يكون للأفراد المختلفين قابلية مختلفة للإصابة بمرض شائع، وتنوع القابلية الوراثية للأمراض الشائعة عند البشر يمكّن الباحثين من فهم الآليات الجزيئية للأمراض الشائعة من خلال النهج الجيني.

لكن، هل لذلك علاقة بالتكتلات العائلية للإصابة بالسل؟

كان يُعتقد في العصور القديمة أن مرض السل وراثي بسبب تكتلات الإصابات العائلية الواضحة، لكن في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، نجح روبرت كوخ Robert Koch في عزل عصيات السل، وأجرى تجارب من خلالها تسبب في الإصابة بالسل عند بعض حيوانات التجارب، وذلك باستخدام عصيات السل المستزرعة cultured TB bacilli، مما أدى إلى تحديد الطبيعة المعدية لمرض السل.

تنتقل عصيات السل TB bacilli عن طريق استنشاق الرذاذ المتطاير الناتج عن سعال المريض المصاب بالسل النشط active TB، هذه الحقيقة تفسر غالبية التجمعات العائلية لمرض السل.

وقد لفتت القابلية الوراثية لمرض السل انتباه الناس بسبب مصادفة الاصابة بالسل عند التوائم، إلا أن الدراسات سلطت الضوء على العوامل البيئية لمرض السل عند التوائم، والتي تؤكد أن التقارب الجسدي هو سبب زيادة فرصة انتقال MTB بين أزواج التوائم.

حقل وراثي genetic region.. من يملكه هو أكثر عرضة للإصابة بداء السل!

على الرغم من وجود الملايين من حالات السل الجديدة كل عام، إلا أنه لا يصاب كل من تعرض للبكتيريا بالعدوى ولا يصاب كل شخص مصاب بها بأعراض سريرية لمرض السل.

وقد تم اكتشاف حقل وراثي genetic region مرتبط بمرض السل السريري! حيث أن الأشخاص الذين لديهم نسخة واحدة على الأقل عالية الخطورة من هذا الحقل الوراثي هم أكثر عرضة للإصابة بالسل بعشر مرات من الآخرين.

يحتوي الحقل الوراثي على جين NRAMP1 معروف بتورطه في القابلية للإصابة بالجذام leprosy، والتي تسببها بكتيريا مرتبطة بمرض السل.

يُعد تقييم مساهمة الجينات في مقاومة مضيف السل البشري تحديًا طويل الأمد لبحوث الوراثة البشرية! ولطالما اعتبر السل مرضًا معقدًا له مكون وراثي قوي، وتدعم العديد من الدراسات الوبائية والجينية هذا الاستنتاج.

كشفت النتائج التي توصل إليها علماء روكفلر Rockefeller أن جينًا يهيء للإصابة بالسل موجود بالفعل، وأنه شائع بشكل مدهش!

كشف الباحثون أيضًا عن الطفرات الجينية التي تسلب الجهاز المناعي قدرته على محاربة الجراثيم المنتشرة من نفس العائلة البكتيرية “المتفطرات”. وذلك من خلال دراستين تم نشرهما في مجلة Science Immunology.

أخيرا، بعد قراءتك للمقال هل تظن أن الوراثة هي إحدى عوامل انتقال داء السل؟ شاركنا رأيك، وشارك المقال مع أصدقائك!