منذ المراحل المبكرة من تفشي هذا الوباء، تم الإبلاغ عن انتقال الفيروس عن طريق الأفراد المصابين، حتى لو لم تظهر عليهم الأعراض، مما يشكل تحديا كبيرا لكل الأنظمة الصحية لإحتواء هذا المرض. 

ينتقل فيروس SARS-CoV-2، المسبب لمرض كوفيد 19، عبر القطرات الصغيرة Droplets التي تحتوي على الفيروسات والتي تنطلق من الممرات الهوائية العليا سواء من الأنف أو الفم كما ينتقل عبر الهباء الجوي Aerosols (الأجسام الصغيرة العالقة في الجو) والتي يمكن أن تطفو، اعتمادا على تدفق الهواء، لفترة طويلة في البيئة. هذا الهباء العالق في الجو قد ينتشر عن طريق التنفس فقط، بينما تنتشر القطرات عن طريق التحدث والصراخ والعطس والسعال والتقبيل.

تعرف منظمة الصحة العالمية الحالة المرضية بدون أعراض على أنها “الحالة المؤكدة مختبريا دون ظهور أعراض واضحة”، لكن هذا التعريف لا يأخد بعين الإعتبار الفرق بين الأفراد الذين لا تظهر عليهم أعراض المرض بالمرة Asymptomatic والأفراد الذين أكدت حالتهم المرضية مخبرياً قبل ظهور الأعراض Presymptomatic. 

سباق لفهم هذه الحالات المخادعة!

تشير الدراسات الحديثة إلى أن ارتفاع مستويات نازعة هيدروجين اللاكتات LDH في المصل / البلازما قد يكون بالفعل في المراحل المبكرة عند المرضى الذين ستظهر عليهم الأعراض، وبالتالي يسهل التمايز المبكر، ولا يمكن للتصوير التشخيصي التمييز بين الفئتين، لأن أكثر من 30٪ من الأفراد الذين لا تظهر عليهم الأعراض يحملون علامات المرض في نتائج التصوير المقطعي المحوسب “السكانير”.

يتسابق الباحثون لفهم بيولوجيا هذه الحالات المخادعة وتطوير نماذج تتنبأ بكيفية نشرهم لـ COVID-19. 

تشير العديد من الدراسات إلى أن مزيجا من العوامل الوراثية والعمرية والخصوصيات في أجهزة المناعة لدى الأشخاص، قد تكون عاملا في تحديد من يصاب بحالة خفيفة أو بالكاد ملحوظة، ومن لا يصاب بأي عرض من الأعراض. 

التحدي الأكبر في دراسة الحاملين للفيروس والخاليين من الأعراض هو معرفة عدد مرات الإصابة بالفيروس. ولكن دراسة هذا المعطى أمر صعب جداً، لأن من لا يشعر بالمرض لن يخضع للاختبار من الأصل، وحتى في الأماكن التي أجرت اختبارات على نطاق واسع، مثل الصين وأيسلندا، كان من الصعب الحصول على بيانات موثوقة. أحد الأسباب هو أن الدراسات البحثية لا تتبع المرضى لفترة طويلة من الوقت بعد الاختبار لمعرفة ما إذا كانوا قد ظهرت عليهم الأعراض لاحقًا.

قد يكون السبب هو جهاز مناعي كجهاز الخفاش!

وقدرت دراسة جديدة في مجلة Nature أن 87% من الإصابات في ووهان، الصين، في الأيام الأولى للوباء لم يتم تشخيصها لأن مسؤولي الصحة لم يكونوا على علم بالانتشار قبل ظهور الأعراض.

ربما لا يحمل الأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض الفيروس في البداية، لأن أجسامهم تخلصت منه سريعاً بفضل أجهزتهم المناعية التي تتصرف مثل تلك الموجودة عند الخفافيش. 

“الخفافيش لديها هذه الفيروسات، لكنها لا تمرض على الإطلاق”، يقول ستانلي بيرلمان، أستاذ علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة أيوا في أيوا سيتي، “يبدو أن لديهم استجابة مناعية تسمح لهم بالتخلص من الفيروس”.

لا زالت الأبحاث والدراسات جارية تحاول فهم هذا الوباء الذي باغث العالم. ما هو مؤكد هو أن الحاملين للفيروس والذين لا تظهر عليهم الأعراض ينشرون الوباء مثل أولئك الذين تظهر عليهم الأعراض. ولهذا وجب التقيد بالإجراءات الوقائية إلى أن تمر هذه الجائحة الوبائية أو أن يكتشف الداء لهذا الوباء.