ما هي السمنة وكيف تؤثر على الجسم؟
التعريف الطبي للسمنة (BMI)
يُعرف الأطباء السمنة بناءً على مؤشر كتلة الجسم(Body Mass Index – BMI)، وهو معادلة تربط بين الوزن بالكيلوغرام والطول بالمتر المربع. ويُستخدم هذا المؤشر لتصنيف حالة الوزن كالتالي:
- أقل من 18.5 كغ/م²: نقص في الوزن.
- من 18.5 إلى 24.9 كغ/م²: وزن صحي أو طبيعي.
- من 25 إلى 29.9 كغ/م²: زيادة في الوزن.
- 30 كغ/م² فأكثر: سمنة بدرجاتها المختلفة (سمنة خفيفة، متوسطة، أو مفرطة).
ورغم أن هذا المؤشر لا يميز بين وزن العضلات والدهون، فإنه يُعدّ أداة مهمة لتقدير المخاطر الصحية المرتبطة بتراكم الدهون، مثل اضطراب الهرمونات وازدياد احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة.
تأثير الدهون على الهرمونات والأنسجة
تؤدي الأنسجة الدهنية، خاصة لدى الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن، وظائف بيولوجية تتجاوز مجرد تخزين الطاقة. فهي تعمل كغدة صماء نشطة تفرز مجموعة واسعة من الهرمونات والبروتينات، بما في ذلك:
- هرمون الإستروجين الذي تُنتجه الخلايا الدهنية بوفرة عند زيادة الكتلة الدهنية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوياته في الدم، وهو عامل مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي.
- مواد التهابية مثل الإنترلوكين-6 وعامل نخر الورم (TNF-α)، التي تحفّز الالتهاب المزمن وتضعف قدرة الجهاز المناعي على مقاومة التحولات الخلوية. ومع مرور الوقت، تخلق هذه البيئة الالتهابية أرضية خصبة لتكاثر الخلايا غير الطبيعية وتحوّلها إلى خلايا سرطانية محتملة.
- اللبتين والأديبونكتين: تفرز الخلايا الدهنية هرمون اللبتين LEPTIN، الذي يلعب دوراً في تنظيم الشهية. في حالات السمنة، غالباً ما تكون مستويات اللبتين مرتفعة، مما قد يعزز نمو الخلايا السرطانية. في المقابل، ينخفض هرمون الأديبونكتين الواقي من السرطان.

علاقة السمنة بسرطان الثدي
كيف تؤدي السمنة إلى زيادة الإستروجين؟
بعد انقطاع الطمث، تتوقف المبايض عن إنتاج الإستروجين، ويصبح المصدر الرئيسي للهرمون هو تحويل الأندروجينات في الأنسجة الطرفية، وخاصة الأنسجة الدهنية، كلما زادت كمية الأنسجة الدهنية (أي زادت السمنة)، زادت كمية الإستروجين المنتج، مما يحفز انقسام خلايا الثدي ويزيد من احتمالية تحولها إلى خلايا سرطانية.
الالتهابات المزمنة كعامل محفز لنمو الخلايا السرطانية
الالتهاب المزمن الذي تسببه السمنة ليس مجرد عرض جانبي، بل هو محفز نشط للسرطان.
- بيئة الورم: يؤدي تراكم الدهون إلى نقص الأكسجة وموت الخلايا الدهنية، مما يجذب الخلايا المناعية التي تطلق السيتوكينات. هذه السيتوكينات تخلق بيئة مجهرية داعمة للورم (Tumor Microenvironment)، حيث تحفز الخلايا السرطانية على النمو، وتساعدها على التغذي، بل وتدعم الأوعية الدموية الجديدة لتغذيتها.
- تلف الحمض النووي: يمكن أن تسبب الجزيئات الالتهابية إجهاداً تأكسدياً وتلفاً مباشراً للحمض النووي (DNA) في خلايا الثدي، مما يزيد من الطفرات التي تؤدي إلى تكوين الخلايا الخبيثة.
مقاومة الإنسولين ودورها في نمو الأورام
تتسبب السمنة غالبًا في مقاومة الإنسولين، وهي حالة يرتفع فيها مستوى الإنسولين في الدم لتعويض ضعف الاستجابة الخلوية. ارتفاع الإنسولين يعمل كعامل نمو للخلايا، ويحفّز مسارات بيولوجية تزيد من انقسام خلايا الثدي، ما يعزز نمو الأورام. هذا الرابط بين الأيض والسرطان يوضح لماذا تعتبر إدارة الوزن والتحكم في مستويات السكر أمرًا مهمًا للوقاية.
هل تختلف علاقة السمنة بسرطان الثدي قبل وبعد سن اليأس؟
الرابط بين السمنة وسرطان الثدي ليس موحداً، بل يختلف بشكل كبير اعتماداً على المرحلة الإنجابية للمرأة
قبل سن اليأس: تأثير العوامل الهرمونية المتقلبة
- خطر المنخفض نسبياً: وجدت بعض الدراسات أن السمنة قبل سن اليأس قد تحمل خطر إصابة أقل نسبياً بسرطان الثدي مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي في هذه المرحلة. ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن الأنسجة الدهنية تزيد من إنتاج هرمونات أخرى مثل الهرمون الكروي الرابط للهرمونات الجنسية، والذي يرتبط بالإستروجين ويجعله أقل نشاطاً بيولوجياً.
- الخطر المرتفع لسرطان الثدي ثلاثي السلبية (Triple-Negative): في المقابل، يرتبط الوزن الزائد والسمنة في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث بزيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي ثلاثي السلبية العدواني (الذي لا يحتوي على مستقبلات الإستروجين، البروجستيرون، أو HER2)، حيث تلعب الالتهابات ومقاومة الإنسولين الدور الأكبر بدلاً من الإستروجين.
بعد سن اليأس: زيادة الإستروجين الناتجة عن الخلايا الدهنية
بعد انقطاع الطمث، يتوقف المبيضان عن إفراز الإستروجين، فتتحول الخلايا الدهنية إلى المصدر الأساسي لإنتاجه من خلال إنزيم الأروماتاز (Aromatase). كلما زادت كمية الدهون في الجسم، ارتفع مستوى الإستروجين، مما يزيد خطر تكوّن أورام الثدي الحساسة لهذا الهرمون.
تشير الدراسات إلى أن النساء بعد سن اليأس اللواتي يعانين من زيادة الوزن أو السمنة يكنّ أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي، مع تفاوت حجم الخطر حسب الكتلة الدهنية وعوامل أخرى مثل النشاط البدني والتغذية.
الدراسات والإحصاءات الطبية الحديثة
نتائج الأبحاث من منظمة الصحة العالمية WHO
- تعتبر منظمة الصحة العالمية السمنة أحد عوامل الخطر الرئيسية القابلة للتعديل للعديد من أنواع السرطان. وتشير تقديراتها إلى أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم مسؤول عن نحو 3.6٪ من حالات السرطان الجديدة لدى البالغين حول العالم.
- تؤكد المنظمة أن الارتباط أقوى بشكل خاص في حالات سرطان الثدي بعد سن اليأس.
دراسات الجمعية الأمريكية للسرطان
أظهرت دراسات الجمعية الأمريكية للسرطان أن النساء اللواتي يعانين من زيادة الوزن أو السمنة بعد سن اليأس يكنّ أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي مقارنة بالنساء ذوات الوزن الطبيعي. كما بينت الأبحاث أن التحكم في الوزن يقلل من مستوى الإستروجين ويحد من الالتهابات المزمنة، مما يقلل من فرص نمو الأورام.
تفاعل الجهاز المناعي مع الجهاز العصبي.
أظهرت الأبحاث المتقدمة حديثاً أن السمنة تؤثر على التفاعل بين الجهاز المناعي والجهاز العصبي في الأنسجة الدهنية.
- الخلايا المناعية الدهنية: تتراكم الخلايا المناعية (مثل البلاعم) في الأنسجة الدهنية المتضخمة، وتطلق مواد كيميائية تتفاعل مع النهايات العصبية. هذا التفاعل يمكن أن يدعم الخلايا السرطانية في التهرب من الاستجابة المناعية الطبيعية للجسم، مما يسرع نمو الورم وانتشاره.
طرق الوقاية وتقليل الخطر
التحكم في الوزن من خلال التغذية الصحية
- تقليل السعرات الحرارية: الهدف الأساسي هو تحقيق التوازن في السعرات الحرارية للوصول إلى وزن صحي والحفاظ عليه.
- اتباع نظام غذائي مضاد للالتهابات: التركيز على الأطعمة النباتية الكاملة، الفواكه، الخضراوات، الحبوب الكاملة، والدهون الصحية (مثل زيت الزيتون والمكسرات). هذه الأغذية غنية بمضادات الأكسدة التي تكافح الالتهاب المزمن.
- تجنب السكر والكربوهيدرات المكررة: لتقليل مقاومة الإنسولين.
ممارسة النشاط البدني بانتظام
أهمية الحركة: لا يقتصر دور النشاط البدني على حرق السعرات الحرارية فحسب، بل يساهم بشكل مباشر في تقليل خطر السرطان من خلال:
- خفض مستويات هرمون الإستروجين والإنسولين في الدم.
- تقليل الالتهاب.
- تحسين وظيفة الجهاز المناعي
الفحص الذاتي والفحص الطبي المبكر
- أهمية الكشف المبكر: النساء المصابات بالسمنة يحتجن إلى وعي أكبر بأهمية الكشف المبكر. قد تكون قراءة صور الثدي الشعاعية (الماموجرام) أكثر صعوبة في حالات الأنسجة الثدية الكثيفة، والتي قد تتأثر بالسمنة.
- الالتزام بالمواعيد: يجب الإلتزام بجميع فحوصات الماموجرام السنوية أو الدورية حسب توصيات الطبيب، وعدم إهمال الفحص الذاتي الشهري للثدي.
تجنب الكحوليات والأطعمة المصنعة
- الكحول: يرتبط استهلاك الكحول بزيادة مستويات الإستروجين وتلف الحمض النووي، مما يزيد خطر السرطان، ويجب تجنبه أو تقليله بشكل كبير.
- الأطعمة المصنعة: تحتوي على كميات عالية من السكر والدهون غير الصحية والمواد الحافظة التي تعزز الالتهاب وزيادة الوزن.
هل يمكن أن تساعد خسارة الوزن في تقليل خطر الإصابة؟
تؤكد الأبحاث بشكل قاطع أن فقدان الوزن هو أحد أقوى الأدوات الوقائية المتاحة.
- تقليل الخطر بشكل فعّال: أظهرت دراسات رصدية كبيرة أن النساء، خاصة بعد سن اليأس، اللاتي يفقدن الوزن ويحافظن على خسارة معتدلة (حوالي 5% إلى 10%من وزن الجسم)، يقل لديهن خطر الإصابة بسرطان الثدي بشكل كبير.
- الآلية البيولوجية: تقلل خسارة الوزن من كمية الأنسجة الدهنية التي تعمل كـ “مصنع” للإستروجين، مما يخفض مستويات الهرمون المتداول في الدم، ويقلل من الالتهاب المزمن ومقاومة الإنسولين، وبالتالي يزيل العديد من محفزات نمو الخلايا السرطانية.
أسئلة شائعة قد تهمك
هل فقدان الوزن يقلل من خطر سرطان الثدي؟
نعم، تشير الدراسات إلى أن فقدان الوزن بعد سن اليأس يقلل من إنتاج الإستروجين في الخلايا الدهنية، ويخفض الالتهابات المزمنة ويعزز حساسية الجسم للإنسولين، مما يقلل من عوامل نمو الأورام.
هل العلاقة بين السمنة وسرطان الثدي وراثية؟
لا تُعد العلاقة بين السمنة وسرطان الثدي وراثية بشكل مباشر، لكن العوامل الوراثية قد تزيد من قابلية الإصابة، خاصة لدى من يحملن طفرات في جينات BRCA1 وBRCA2. ومع ذلك، تظل السمنة عامل خطر مكتسب وقابل للتعديل يمكن التحكم به بنمط حياة صحي.
تُظهر الأدلة العلمية أن السمنة عامل خطر مهم للإصابة بسرطان الثدي، خصوصًا بعد سن اليأس، عبر زيادة الإستروجين، الالتهابات المزمنة، ومقاومة الإنسولين. يمكن تقليل هذا الخطر من خلال الحفاظ على وزن صحي، التغذية المتوازنة، ممارسة النشاط البدني، والفحص المبكر المنتظم. إن اتباع أسلوب حياة صحي لا يحمي فقط من السرطان، بل يعزز الصحة العامة ويقلل من مخاطر الأمراض المزمنة الأخرى.