تنبيه طبي: هذا المقال للتوعية فقط ولا يغني عن استشارة طبيب متخصص.

ما هي قرحة المعدة؟

التعريف الطبي 

قرحة المعدة، وتُعرف أيضًا باسم القرحة الهضمية (Peptic ulcer)، هي تقرحات مفتوحة تظهر في بطانة المعدة أو الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة (الاثني عشر) نتيجة تلف طبقة المخاط الواقية التي تحمي هذه البطانة من تأثير حمض المعدة. تحدث هذه القروح عندما تتجاوز عصارات المعدة الدفاعات الطبيعية للمخاط والأنسجة، مما يؤدي إلى تآكل الطبقة الداخلية للمعدة أو الاثني عشر وتكوّن جروح باضطراد.

قرحة المعدة
قرحة المعدة

 

كيف تتطور القرحة داخل جدار المعدة؟

في الحالة الطبيعية، تُغطّى بطانة المعدة بطبقة مخاطية سميكة تعمل كحاجز حماية ضد حمض المعدة القوي والعصارات الهضمية. إذا انخفضت هذه الطبقة المَخاطية أو تضررت بسبب عدوى بكتيرية أو تأثيرات دوائية مزمنة، يصبح جدار المعدة أكثر عرضة لتأثير الحمض، فيبدأ الحمض في تآكل الطبقة الداخلية تدريجيًا حتى يُكوّن تقرّحًا مفتوحًا في أنسجة المعدة أو الاثني عشر.

عندما يتغلغل الحمض في الأنسجة بصورة مستمرة، يمكن أن يطال طبقات أعمق من الجدار المعوي، ممّا يزيد خطر النزيف الداخلي أو الثقب الذي قد يسمح لمحتويات المعدة بالانتقال إلى التجويف البطني مسبّبًا حالة طارئة تستدعي التدخل الطبي الفوري.

أسباب قرحة المعدة الرئيسية

عدوى Helicobacter pylori

تُعدّ عدوى بكتيريا Helicobacter pylori السبب الأكثر شيوعًا لقرحة المعدة عالميًا، إذ تشير الدراسات إلى أن هذه البكتيريا مسؤولة عن أكثر من 60% من حالات قرحة المعدة. تعيش الجرثومة داخل الطبقة المخاطية الواقية للمعدة، وتُضعف قدرتها على مقاومة الحمض المعدي، مما يؤدي إلى التهاب مزمن وتآكل تدريجي في جدار المعدة حتى تتكوّن القرحة. كما تُحفّز H. pylori إفراز مواد التهابية تزيد من حساسية الأنسجة تجاه الحمض.

استخدام مسكنات NSAIDs

يُعدّ الاستخدام المتكرر أو الطويل لمضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين، الديكلوفيناك، والأسبرين سببًا رئيسيًا آخر لقرحة المعدة، خاصة لدى كبار السن. تعمل هذه الأدوية على تثبيط إنزيمات البروستاغلاندين التي تلعب دورًا أساسيًا في حماية بطانة المعدة عبر تعزيز إفراز المخاط وتقليل تأثير الحمض. ووفقًا للأبحاث، فإن ما يصل إلى 20% من المستخدمين المزمنين لهذه الأدوية قد يطوّرون قرحة هضمية بدرجات متفاوتة.

العوامل النفسية والضغط العصبي

على الرغم من أن التوتر النفسي لا يُعد سببًا مباشرًا لقرحة المعدة، إلا أن التوتر يؤثر  على الجهاز العصبي اللاإرادي، مما يغيّر إفراز الحمض المعدي ويُضعف التروية الدموية لجدار المعدة، وبالتالي يقلل من قدرة الأنسجة على التجدد والشفاء.

التدخين والكحول والأطعمة الحارة

تزيد هذه العوامل من تهيج البطانة وتؤخر عملية الشفاء الطبيعية.

أعراض قرحة المعدة 

ألم في فم المعدة (خاصة بعد الأكل أو عند الجوع)

أكثر الأعراض شيوعًا لقرحة المعدة هو ألم حرِقاني أو متقطع في الجزء العلوي من البطن، المعروف باسم فم المعدة. غالبًا ما يزداد الألم بعد تناول الطعام أو عند الشعور بالجوع، ويمكن أن يمتد أحيانًا إلى منطقة الصدر العلوي. 

الحرقة والانتفاخ

يشعر كثير من المرضى بالحرقة أو الانتفاخ بعد تناول وجبات دسمة أو حارة. يحدث هذا بسبب زيادة إفراز الحمض المعدي واضطراب حركة المعدة. في بعض الحالات، قد يكون الانتفاخ مصحوبًا بالغازات المتكررة أو الشعور بالامتلاء بعد وجبات صغيرة.

الغثيان والتجشؤ المتكرر

الغثيان المتكرر والتجشؤ من العلامات المصاحبة للقرحة، ويحدثان نتيجة تهيج جدار المعدة وتباطؤ عملية الهضم. بعض المرضى يلاحظون تحسن الغثيان بعد تناول الطعام، بينما يزداد عند فراغ المعدة.

فقدان الشهية ونقص الوزن

عند استمرار الألم أو ظهور أعراض مزعجة مثل الغثيان أو الحرقة، قد يقلّ تناول الطعام تدريجيًا، ما يؤدي إلى فقدان الوزن وفقدان الشهية. هذه الأعراض أكثر وضوحًا لدى النساء وكبار السن، وتستدعي الانتباه لأنها قد تشير إلى مرحلة متقدمة من المرض.

ألم ينتشر إلى الظهر (في الحالات المتقدمة)

في بعض الحالات، خصوصًا عندما تكون القرحة في الجزء الخلفي من المعدة، قد يمتد الألم إلى الظهر. هذا العرض يعتبر من العلامات التحذيرية التي تستدعي تقييمًا طبيًا عاجلًا لتجنب المضاعفات مثل النزيف أو الثقب.

أعراض قرحة المعدة الحادة والخطيرة

القيء الدموي

من أكثر أعراض القرحة الهضمية الحادة التي تستدعي عناية طبية فورية هو القيء الدموي، والذي قد يظهر على شكل دم أحمر طازج أو قيء يشبه “تفّ الثلج” نتيجة اختلاط الدم بالعصارات المعدية. هذا العرض يعكس نزيفًا شديدًا في القناة الهضمية العليا.

براز أسود (Melena)

يُعدّ البراز الأسود القاتم أو ما يُعرف طبيًا بـ Melena من علامات النزيف في الجزء العلوي من القناة الهضمية. يحدث هذا اللون الداكن عندما يتحول الدم المبتلع بفعل العصارات الهضمية إلى مادة تشبه القطران في البراز. يظهر هذا العرض عادةً لدى الأشخاص الذين يعانون من نزف مزمن أو حاد من القرحة الهضمية.

ألم حاد مفاجئ (علامة على ثقب المعدة)

عندما تتعمّق القرحة في جدار المعدة أو الاثني عشر، قد تؤدي إلى ثقب في جدار الجهاز الهضمي، مسببًا ألمًا مفاجئًا وشديدًا في البطن يُشبه “طعنًا حادًا”. هذا يُعدّ من المضاعفات الطبية الطارئة التي تستدعي التوجّه الفوري للطوارئ، لأن المحتويات المعدية قد تتسرّب إلى التجويف البطني مُسببًة التهاب الصفاق.

الدوار وانخفاض ضغط الدم (علامة نزيف داخلي)

عند حدوث نزيف داخلي كبير بسبب القرحة الهضمية، قد يفقد الجسم كمية دم كبيرة، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم والشعور بالدوار أو الإغماء. في الحالات الشديدة، قد يصاحب ذلك تسارع في نبضات القلب وشحوب الجلد والتعرّق، وهي علامات تُنبّه إلى حالة طبية طارئة تتطلب عناية فورية للسيطرة على النزيف ومنع حدوث صدمة نقص حجم الدم.

 الفرق بين أعراض قرحة المعدة والتهاب المعدة

وجه المقارنة قرحة المعدة التهاب المعدة (Gastritis)
طبيعة الألم ألم محدد ونخر عميق. ألم منتشر أو شعور بالتهيج العام.
الارتباط بالطعام قد يزداد الألم بعد الأكل مباشرة. غالباً ما يكون الشعور بالحرقة مستمراً.
المضاعفات خطر النزيف أو الثقب. نادراً ما يسبب ثقباً.

كيف يتم تشخيص قرحة المعدة؟

تنظير المعدة

 يُعتبر تنظير المعدة (Endoscopy) الطريقة الأكثر دقة لتشخيص قرحة المعدة، حيث يتيح للطبيب رؤية القرحة مباشرة وتقييم حجمها وعمقها، وكذلك أخذ خزعة إذا لزم الأمر لاستبعاد وجود خلايا سرطانية أو عدوى.

فحص جرثومة المعدة (تنفس/براز/دم)

لتأكيد الإصابة بعدوى Helicobacter pylori، يمكن استخدام عدة طرق:

  • اختبار التنفس (Urea Breath Test): يكتشف وجود البكتيريا من خلال تحليل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تفاعل البكتيريا مع اليوريا.
  • اختبار البراز (Stool Antigen Test): يحدد وجود المستضدات البكتيرية في عينة البراز.
  • اختبارات الدم (Blood Antibody Test): تقيس الأجسام المضادة ضد H. pylori، لكنها أقل دقة لتحديد الإصابة الحالية مقارنة بالاختبارات الأخرى.

هذه الاختبارات ضرورية لتحديد السبب وراء القرحة، حيث أن علاج العدوى البكتيرية يساهم في شفاء القرحة والوقاية من تكرارها.

الفحوصات الدموية

تُجرى الفحوصات الدموية بشكل عام لاستبعاد فقر الدم الناتج عن النزيف المزمن أو لتقييم الحالة الصحية العامة للمريض. يمكن أن تشمل:

  • تعداد الدم الكامل (CBC) لاكتشاف فقدان الدم المزمن.
  • قياس مستويات الحديد والهيموغلوبين.

هذه الفحوصات تدعم التشخيص السريرية وتساعد الأطباء على اتخاذ قرار بشأن الحاجة إلى تنظير عاجل أو متابعة الحالة عن كثب.

 متى يجب زيارة الطبيب فورًا؟

يجب على المريض مراجعة الطبيب فورًا عند ظهور أي من الأعراض التحذيرية أو المضاعفات المحتملة لقرحة المعدة، لأنها قد تشير إلى حالة طارئة تهدد الحياة:

  • القيء الدموي أو ما يشبه القهوة المطحونة.
  • براز أسود أو دموي (Melena).
  • ألم حاد ومفاجئ في البطن، خاصة إذا كان منتشرًا أو مصحوبًا بتصلب البطن.
  • الدوار، الإغماء أو انخفاض ضغط الدم المفاجئ.
  • فقدان شديد للوزن أو عدم القدرة على تناول الطعام بسبب الألم أو الغثيان المستمر.

قرحة المعدة حالة شائعة لكنها قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة إذا تُركت دون علاج. التعرف المبكر على الأعراض والتحرك سريعًا لاستشارة الطبيب يساهم في الوقاية من النزيف، الثقب، وفقدان الوزن. الحفاظ على نمط حياة صحي، تجنب التدخين والإفراط في مسكنات الألم، وعلاج العدوى البكتيرية من أهم خطوات الوقاية.