الغيرة هي شعور معقد يشمل مشاعر مختلطة تمتد بين الخوف من الهجر إلى الغضب والشعور بالذل. تصيب جميع الناس من مختلف الأعمار والأجناس، وتثار هذه المشاعر عندما يلاحظ الشخص وجود تهديد لعلاقة مهمة لديه من طرف ثالث حتى لو كان هذا التهديد مجرد تخيلات.
لا تحدث الغيرة في العلاقات العاطفية فقط، بل حتى في علاقات الأخوة الذين يتنافسون على اهتمام الأبوين، حيث تشكو الكثير من الأمهات من تغير سلوك أطفالهن بعد قدوم مولود جديد للمنزل، فتزداد نوبات الغضب لدى الطفل ويصبح مزعجا للأهل.
ما تفسير الغيرة من المولود الجديد؟
إن الغيرة التي يحس بها الطفل الأكبر تجاه المولود الجديد أمر طبيعي ومقبول، وهي دليل على وعيه بذاته وبداية تشكل رؤيته للعلاقات الإنسانية، فبعد أن كان يعتقد أن العالم يتمحور حوله، إذا به يتفاجأ بالوافد الجديد الذي يأخذ نصيب الأسد من الرعاية والوقت والإهتمام، مما يسبب له تأخيرا في تلبية حاجاته ورغباته، وبعد أن كان بمفرده متربعًا على عرش قلوب جميع أفراد الأسرة، أصبح هناك من يزاحمه!
اقرأ أيضا: متى وكيف أبدأ في تقديم الطعام الصلب لطفلي الرضيع؟
علامات غيرة الطفل من المولود الجديد:
في الأصل لا يعي الطفل مفهوم الغيرة، لكنه يلاحظ ويستنتج من خلال ما يعايشه أن اهتمام والديه لم يعد خاصا به لوحده، بل شاركه طفل آخر هذا الاهتمام، لذا يحاول الطفل الأكبر سنا لفت انتباه الأم بالعديد من التصرفات طمعا في جلب أنظارها ورعايتها، حيث يصدر منه التصرفات التالية:
- يطلب بإلحاح أن يرضع من رضاعة أخيه أو من ثدي أمه
- ينام في سرير المولود الجديد أو فوق جسمه مباشرة
- يتبول في ملابسه بعد أن اكتسب مهارة النظافة منذ أشهر
- يصر على أن تحمله أمه ويرفض المشي أو يتظاهر بالتعب
- يضرب المولود أو يقرص جلده
- يحاول إطعام المولود بنفسه
- تزداد نوبات الغضب عنده ويصبح مزعجاً لدرجة كبيرة
- يرفض الذهاب للمدرسة و يصر على البقاء بالبيت
- يفقد شهية الأكل
- يرفض النوم بغرفته الخاصة بعدما كان يستعملها لمدة طويلة
- يطلب من الوالدين إبعاد المولود أو إرساله لمكان آخر
- يتحين فرصة انشغال الأم عن الرضيع ليتسلل إليه ويكتشفه بطريقته الخاصة
- يلصق تهمة كل أخطائه بالمولود بل وأخطاء الآخرين أيضا
- يصير نومه مضطربا ومتقطعا مع ارتفاع وثيرة الكوابيس والأحلام المزعجة
اقرأ أيضا: 9 من فوائد الرضاعة الطبيعية لصحتك وصحة طفلك
عوامل تزيد من حدة غيرة الطفل
تأتي الغيرة كردة فعل الطفل أمام وضع جديد أو غريب عنه، وذلك بهدف حماية نفسه أو مكانته، غير أن سلوك المحيطين بالطفل، المتسرع والغير محسوب، والذي لا يراعي حساسيته المفرطة خلال فترة قدوم المولود الجديد قد تؤجج هذه الغيرة، فيبني الطفل قناعة ثابتة بالأدلة على أن مكانته داخل الأسرة باتت مهددة، ومن بين تصرفات الأهل الخاطئة تجاه الطفل ما يلي:
- مطالبته بتفهم الظرف الاستثنائي للأسرة ومراعاة انشغال الأم بالمولود الجديد
- تعنيفه لفظيا أو بدنيا مع ابعاده عن الرضيع
- مجابهة غضبه وبكائه بقسوة شديدة عوض محاولة الإحتواء
- عدم تخصيص أي وقت له على مدار اليوم
- انقطاع أنشطة اعتاد عليها كانت تشكل روتينا يوميا مع أمه
- توصل المولود الجديد بعدة هدايا بخلافه
- حفل العقيقة الذي يردد فيه اسم المولود الجديد دون اسمه هو
- إسكاته في أوقات متكررة وقمع حركته بدعوى أن أخاه نائم
علاج الغيرة عند الأطفال:
من أجل علاج ظاهرة الغيرة عند الطفل يجب الأخذ بيده حتى يتمكن من تغيير أفكاره وقناعاته التي يتوهمها بعد ولادة أخيه، ومساعده على تهذيب سلوكه الناتج عن هذا الخوف، وذلك من خلال :
- إخبار الطفل الأكبر أن هذا المولود قد أنجبته الأم من أجله ليصير صديقه ورفيقه
- اخباره أن قلب الأم والأب مطاطي و قابل للتمدد وأنه كان في السابق ممتلئا بالإبن الأكبر وأنه تمدد وصار فيه مكان للمولود الجديد وأن حجم مكان الابن الأكبر لم يتغير
- سؤاله عن رأيه في ملابس الرضيع، وإخباره أن والديه يثقان برأيه، وكذلك سؤاله عن اقتراح طريقة لتسلية الرضيع، كالغناء أو التلويح له بيديه، مما سيجعل الرضيع يبتسم له
- دعوة الإبن الأكبر إلى الجلوس بجانب أمه أثناء عملية إرضاع المولود وأن تذكره كيف كانت ترضعه أيضا من قبل وأنها عاشت معه حينها لحظات سعيدة جدا
- إشراكه في رعاية المولود الجديد، فهناك العديد من المهام التي يمكنه القيام بها لمساعدة أمه، والتي ستجعله يشعر بالرضا والحماس أيضا، مثل إحضار الحفاظات، وحمل المناشف أثناء الإستحمام، فهذا سيجعله يعي أنه أكثر مهارة وقوة منه
- إشراكه بالغناء للمولود عند البكاء، أو سرد قصة قصيرة له
- تشجيع الطفل على حمل الرضيع وتمكينه من ذلك تحت إشراف الوالدين ليكون على مسافة قريبة منه
- تخصيص جزء من الوقت يوميا للقيام بنشاط يحبه، مثل الرسم والتلوين أو اللعب بالمكعبات، وذلك أثناء نوم الرضيع
- الحفاظ ما أمكن على العادات القديمة والأنشطة الروتينية كروتين الصباح وروتين قصة ما قبل النوم
- محادثته عن مشاعره وإكسابه الكلمات للتعبير عن ذاته
- عدم التردد في توجيه المقربين بإحضار هدية للطفل الأكبر عوض الرضيع، ولما لا لهما معا !
هل يمكن استباق العمل على موضوع الغيرة منذ فترة الحمل ؟
نعم، وهذه هي أنجع السبل لتهيئة الطفل لاستقبال المولود الجديد ومساعدته على تخيل حياته بعد بضعة أشهر مع رفقة جديدة، وذلك من خلال:
- تجنب الأم الحديث عن أعراض الحمل من ألم وجهد ومشقة، فهذا يجعل الطفل يعتقد أن الجنين هو سبب شقاء أمه
- إشراكه باختيار اسم الجنين وإطلاعه على صور الفحص بالصدى
- إشراكه بالتجهيز لاستقبال المولود وذلك باختيار أغراضه من فراش وملابس
- اشراكه بقرار وضع سرير المولود بغرفة الوالدين تجنبا لإزعاجه ببكاء الرضيع ليلا حتى يحظى هو بنوم هادئ
- تركه عند أقرب الناس وأعزهم لديه خلال فترة غياب الأم للولادة
- التخطيط للحظة لقائه بالمولود الجديد، حيث تحرص الأم أن لا يلتقيها أول مرة والمولود في يديها، بل يرى المولود في مهده، أما أمه فتستقبله بحضنها بيدين مفتوحتين وضمه بحنان وعطف
- تجنب الاستنفار عند بكاء المولود أمامه لأول مرة واشراكه في اقتراح طريقة لتهدئته، بإرضاعه أو حمله مثلا
وختاما، تعد تجربة الغيرة من المولود الجديد واحدة من التحديات التي يواجهها الإنسان خلال طفولته المبكرة، فإذا تم احتواؤها والتعامل معها بطريقة تربوية متفهمة وايجابية، تحولت إلى فرصة لنضج الطفل على المستوى النفسي والعاطفي.