ما هو الاكتئاب الموسمي؟

الاكتئاب الموسمي هو نوع من اضطرابات الاكتئاب يرتبط بشكل مباشر بتغيّر الفصول، ويظهر عادة في أواخر الخريف ويستمر حتى أشهر الشتاء الباردة. يتميّز بتقلب المزاج، انخفاض الطاقة، واضطرابات النوم والشهية. وفقًا لـ المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH)، تُعتبر هذه الحالة متكررة سنويًا، حيث تختفي الأعراض عادة في الربيع والصيف مع عودة ضوء الشمس.

الفرق بين الاكتئاب الموسمي والاكتئاب العام

  • المدة الزمنية: الاكتئاب العام قد يستمر طوال العام دون نمط موسمي محدد، بينما الاكتئاب الموسمي يظهر بانتظام في نفس الفصول.
  • الأسباب المحتملة: SAD مرتبط بانخفاض التعرض لأشعة الشمس وتأثيره على هرمونات مثل السيروتونين والميلاتونين، بينما قد ينتج الاكتئاب العام عن عوامل متعددة مثل الصدمات النفسية أو الاستعداد الوراثي.
  • طرق العلاج: يشمل علاج SAD تقنيات خاصة مثل العلاج بالضوء (Light Therapy)، الذي لا يُستخدم عادة في حالات الاكتئاب غير الموسمية .

 أسباب الاكتئاب الموسمي

التغيرات الهرمونية والميلاتونين

اختلال الساعة البيولوجية بسبب قلة ضوء الشمس يؤدي إلى إفراز زائد لهرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم، ما يسبب شعورًا بالخمول والنعاس نهارًا واضطراب في المزاج. دراسة في Journal of Biological Rhythms أكدت ارتباط اضطراب الميلاتونين بشكل مباشر بزيادة أعراض SAD.

نقص فيتامين د وأشعة الشمس

التعرض لأشعة الشمس يُحفّز إنتاج فيتامين د في الجلد، وهو عنصر أساسي في دعم وظائف الدماغ وتنظيم المزاج. انخفاض مستوياته في الشتاء يزيد من قابلية الإصابة بالاكتئاب. دراسة أمريكية وجدت أن نقص فيتامين د مرتبط بزيادة خطر الاضطرابات المزاجية بما فيها SAD.

العوامل الوراثية والنفسية

تشير الأبحاث إلى أن الاكتئاب الموسمي قد يكون له بعد وراثي.الدراسات التوأمية والعائلية  أظهرت مساهمة جينية واضحة في تطور هذا الاضطراب. وفي دراسة منشورة في مجلة Comprehensive Psychiatry عام 2001 حول genetic studies of seasonal affective disorder and seasonality،  وجدت أن الأشخاص الذين لديهم أقارب مقربين يعانون من SAD يكونون أكثر عرضة للإصابة به. كما أن Polymorphisms (تغيرات جينية بسيطة) في جينات متعلقة بالسيروتونين تزيد من قابلية التعرض لهذه الحالة.

أعراض الاكتئاب الموسمي

الأعراض النفسية

  • شعور مستمر بالحزن أو الكآبة خلال أشهر الخريف والشتاء.
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة الممتعة أو الهوايات المعتادة.
  • تراجع الحافز والطاقة الذهنية مما يعيق أداء المهام اليومية.
  • زيادة مشاعر القلق والتوتر الداخلي.
  • صعوبة في التركيز واتخاذ القرارات.
  • أفكار سلبية أحيانًا قد تصل إلى الرغبة في الانعزال.

الأعراض الجسدية

  • تغيرات في الشهية، غالبًا بزيادة الرغبة في تناول الكربوهيدرات والحلويات.
  • زيادة الوزن نتيجة فرط الأكل وقلة النشاط.
  • انخفاض مستوى الطاقة والإحساس الدائم بالخمول والتعب.
  • اضطرابات النوم: النوم لفترات أطول من المعتاد (hypersomnia) أو صعوبة في النوم.
  • بطء عام في الحركة وردود الفعل الجسدية.

الأعراض السلوكية

  • الانعزال الاجتماعي وتجنب اللقاءات أو المناسبات.
  • انخفاض الأداء الدراسي أو المهني بسبب فقدان التركيز والدافعية.
  • إهمال الأنشطة البدنية أو الروتينية اليومية.
  • زيادة الاعتماد على الأطعمة الغنية بالسكريات كآلية للتعامل مع المزاج المنخفض.

تشخيص الاكتئاب الموسمي

تشخيص SAD تحديًا نسبيًا لأنه يتشابه مع أنواع أخرى من الاكتئاب واضطرابات المزاج. يعتمد الأطباء على:

الخطوات الأساسية في التشخيص:

  • التاريخ الطبي والنفسي: معرفة توقيت الأعراض وشدتها وتأثيرها على الحياة اليومية.
  • المعايير التشخيصية: وفقًا لـ DSM-5 (الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض النفسية)، يجب أن تتكرر الأعراض على مدار سنتين متتاليتين على الأقل، وأن تكون مرتبطة بموسم محدد (غالبًا الخريف أو الشتاء).
  • الفحوص الجسدية: لاستبعاد أمراض أخرى مثل قصور الغدة الدرقية أو نقص فيتامين D.
  • التحاليل المخبرية: قد يُطلب فحص الدم لقياس مستويات هرمونات أو فيتامينات مؤثرة على المزاج (مثل فيتامين D).
  • مقاييس تقييم الاكتئاب: استخدام استبيانات متخصصة مثل Seasonal Pattern Assessment Questionnaire لتقدير شدة الأعراض وارتباطها بالمواسم.

الدراسات تشير إلى أن SAD غالبًا ما يُشخّص بشكل خاطئ أو يُغفل تمامًا، حيث أظهرت دراسة في ويلز الشمالية أن 2.4% من السكان يعانون منه، لكن معظمهم لم يتلق تشخيصًا رسميًا، وتم تشخيصهم بأنواع أخرى من الاكتئاب.

علاج الاكتئاب الموسمي

العلاج الطبي

يشمل العلاج الطبي عادة مضادات الاكتئاب، وخصوصًا مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، مثل فلوكستين (Fluoxetine) أو سيرترالين (Sertraline)، والتي ثبتت فعاليتها في التخفيف من أعراض SAD لدى المرضى ذوي الحالات المتوسطة إلى الشديدة. يُراعى استخدام هذه الأدوية تحت إشراف طبي لتجنب الآثار الجانبية ومراقبة الاستجابة العلاجية.

بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم أحيانًا العلاج بالضوء (Light Therapy)، حيث يتعرض المريض يوميًا لأضواء اصطناعية تحاكي ضوء الشمس الطبيعي لمدة 20–30 دقيقة، ما يساعد على تنظيم الساعة البيولوجية وتحسين المزاج.

العلاج النفسي السلوكي (CBT)

يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT) أحد أنجح أساليب العلاج للاكتئاب الموسمي، حيث يساعد المريض على:

  • التعرف على الأفكار السلبية المرتبطة بالمزاج المنخفض.
  • استبدالها بأنماط تفكير إيجابية وبناءة.
  • تطوير استراتيجيات للتكيف مع الأعراض اليومية وتقليل آثار SAD على الحياة الاجتماعية والمهنية.

 أظهرت الدراسات أن CBT مرتبط بتحسن طويل الأمد في المزاج مقارنة بالعلاج الدوائي وحده.

التعديلات الحياتية والعادات الصحية

  • التعرض للضوء الطبيعي قدر الإمكان خلال النهار.
  • ممارسة الرياضة بانتظام لتحفيز إفراز هرمونات السعادة  مثل السيروتونين والدوبامين.
  • التغذية المتوازنة، مع التركيز على فيتامين D وأوميغا 3، وتجنب السكريات الزائدة.
  • تنظيم النوم بروتين ثابت يوميًا.
  • الحفاظ على التواصل الاجتماعي والمشاركة في الأنشطة الجماعية.

هذه التعديلات قد تكون فعّالة بشكل كبير في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة، وتعمل بالتوازي مع العلاجات الطبية والنفسية لزيادة فاعلية النتائج.

متى يجب استشارة الطبيب؟

  • إذا استمرت الأعراض أكثر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أو أثرت على العمل أو الدراسة أو العلاقات الاجتماعية.
  • عند ظهور أفكار انتحارية أو شعور بعدم القدرة على الاستمرار، أو إذا لم تتحسن الأعراض رغم التعديلات الحياتية أو العلاجات المنزلية.
  • الاستشارة المبكرة تساعد على التشخيص الدقيق وبدء العلاج المناسب، ما يزيد فرص التحسن ويحافظ على جودة الحياة.

الاكتئاب الموسمي قد يؤثر على جودة الحياة خلال فصلي الخريف والشتاء، لكن التشخيص المبكر والعلاج المناسب يخفف شدته بشكل كبير. الجمع بين العلاجات الطبية مثل مضادات الاكتئاب أو العلاج بالضوء، والعلاج النفسي السلوكي، مع تبني عادات صحية مثل التعرض لأشعة الشمس، ممارسة الرياضة، والنوم المنتظم، يحسن المزاج ويقلل الأعراض.

الوعي بهذه الحالة وفهم أعراضها يساعد على الاستعداد للفصول الباردة والتقليل من تأثيرها النفسي والجسدي، والاستشارة المبكرة للطبيب تعزز فرص الشفاء وجودة الحياة.