لذلك من المهم تسليط الضوء على الحول عند الكبار، ليس بوصفه حالة نادرة، بل مشكلة تؤثر في جودة الحياة اليومية وقد تسبب إجهادًا بصريًا أو عزلة اجتماعية. في هذا المقال نستعرض ماهية الحول، أسبابه، أعراضه، طرق تشخيصه وعلاجه، ونِسَب النجاح المتوقعة.
ما هو الحول؟
التعريف الطبي
الحول هو اضطراب بصري يفقد فيه المريض القدرة على توجيه العينين بالاتجاه نفسه في الوقت ذاته، مما يؤدي إلى انحراف إحدى العينين إلى الداخل أو الخارج أو الأعلى أو الأسفل. ويُعدّ الحول اضطرابًا في المحاذاة العينية (Ocular Alignment) ناتجًا غالبًا عن خلل في توازن عضلات العين أو الأعصاب المسؤولة عن حركتها. وقد يسبب هذا الانحراف فقدان الرؤية الثنائية السليمة، أو ظهور ازدواجية في الرؤية، أو اعتماد الدماغ على إحدى العينين دون الأخرى.
ويمثّل الحول عند البالغين مشكلة مختلفة طبيًا عن الحول الطفولي، إذ يكون ظهوره غالبًا مرتبطًا بخلل عصبي أو عضلي أو نتيجة فقدان السيطرة الدماغية على تزامن حركة العينين.

كيف تتحكم العين والدماغ في الرؤية الثنائية
تعتمد الرؤية الثنائية (Binocular Vision) على قدرة الدماغ على دمج الصورتين القادمتين من كل عين في صورة واحدة واضحة ومتناسقة. تقوم عضلات العين الستّ في كل عين بتوجيه الحركة بدقة، بينما تعمل الأعصاب القحفية—خاصة العصب الثالث والرابع والسادس، على تنسيق هذه الحركات بين العينين. وعندما تصل الإشارات البصرية إلى القشرة البصرية في الدماغ، تتم معالجتها ودمجها، مما يسمح بإدراك العمق وتقدير المسافات.
وعند حدوث خلل في أي من هذه المراحل—العضلات، الأعصاب، أو مراكز الدماغ—تفقد العينان المحاذاة الصحيحة، ويظهر الحول أو ازدواجية الرؤية.
الفرق بين الحول عند الأطفال والحول عند الكبار
| العنصر | الحول عند الأطفال | الحول عند الكبار |
| كيفية تعامل الدماغ | يتجنب الدماغ الصورة القادمة من العين المنحرفة مما يؤدي إلى كسل العين (Amblyopia). | لا يستطيع الدماغ تجاهل الصورة، فيظهر ازدواج الرؤية (Diplopia) بوضوح. |
| الأعراض الرئيسية | انحراف العين دون شكوى من ازدواجية، احتمال ضعف الرؤية في إحدى العينين. | ازدواجية الرؤية، صداع، دوار، عدم القدرة على التركيز. |
| الأسباب الشائعة | غالبًا مرتبطة بتطور الجهاز البصري أو أسباب وراثية. | مكتسبة: إصابات الرأس، الجلطات، أمراض الأعصاب والعضلات، أمراض الغدة الدرقية. |
أسباب الحول عند الكبار
الحول المكتسب بعد إصابة أو جلطة
قد يظهر الحول فجأة عند البالغين بعد إصابة مباشرة في الرأس أو العين، أو نتيجة جلطة تؤثر في الأعصاب المسؤولة عن حركة العين. فالدماغ يعتمد أساسًا على سلامة العصب القحفي الثالث والرابع والسادس لضبط محاذاة العينين، وأي ضرر فيها يؤدي إلى انحراف العين وضعف القدرة على الدمج البصري. وقد ذكرت الأكاديمية الأمريكية لطب العيون أن إصابات الأعصاب الناتجة عن الجلطات، رضوض الرأس، أو تمدد الأوعية الدموية تُعد من أكثر أسباب الحول المفاجئ شيوعًا لدى الكبار.
استمرار الحول من الطفولة دون علاج
يُعد الحول الذي لم يتم تصحيحه أو عولج بشكل غير كامل في مرحلة الطفولة السبب الأكثر شيوعاً للحول عند البالغين. في هذه الحالات، تكون الرؤية الثنائية مفقودة بالفعل، وبالتالي غالباً ما يكون العرض الرئيسي هو المشكلة الجمالية أو المظهرية، وقد لا يعاني المريض من ازدواجية الرؤية لأن الدماغ اعتاد على قمع صورة العين المنحرفة.
أمراض الأعصاب والعضلات (مثل السكري واعتلال الغدة الدرقية)
ترتبط العديد من الأمراض الجهازية بالحول المكتسب:
- داء السكري (Diabetes Mellitus): يمكن أن يتسبب السكري غير المنضبط في تلف الأوعية الدموية الصغيرة التي تغذي أعصاب العين (اعتلال الأعصاب السكرية)، مما يؤدي إلى شلل مؤقت أو دائم في عضلات العين وظهور الحول المفاجئ.
- اعتلال الغدة الدرقية (Thyroid Eye Disease): يؤدي هذا الاضطراب المناعي الذاتي إلى التهاب وتضخم في عضلات العين، مما يقيد حركتها ويسبب الحول.
- الوهن العضلي الوبيل (Myasthenia Gravis): يسبب هذا المرض ضعفاً في عضلات الجسم، بما في ذلك عضلات العين الخارجية، مما يؤدي إلى حول متقلب يزداد سوءاً مع الإجهاد.
أسباب غير معروفة (Idiopathic)
في بعض الحالات، قد لا يتمكن الأطباء من تحديد سبب واضح ومحدد لانحراف العينين، ويُصنف الحول هنا على أنه مجهول السبب (Idiopathic). غالباً ما ترتبط هذه الحالات بضعف تدريجي أو بطيء في نظام التحكم العصبي العضلي الذي يحافظ على محاذاة العينين.
أعراض الحول عند الكبار
ازدواجية الرؤية (Diplopia)
من أبرز الأعراض التي يشكو منها البالغون المصابون بالحول هي ازدواجية الرؤية، إذ يرى المريض صورتين للجسم الواحد بدل صورة واحدة. يحدث ذلك لأن العينين لا تكونان موجهتين بدقة للهدف ذاته، فيرسل كل منهما صورة مختلفة إلى الدماغ، ولا يستطيع الدماغ دمج الصورتين بصورة واحدة.
هذه الظاهرة يمكن أن تكون ثابتة أو تزداد مع الحركة أو التعب، وقد تظهر بشكل أسوأ عند النظر إلى الأشياء القريبة أو أثناء القراءة أو القيادة.
صداع وإجهاد بصري
حيث أن العينين تحاولان باستمرار ضبط محاذاة غير متناسقة، تضطر عضلات العين والدماغ للعمل الشاق لتقليل التداخل في الصورة أو لمحاولة الدمج، مما يؤدي إلى إجهاد بصري — شعور بالتعب أو ثقل في العينين، وقد يترافق مع صداع غالبًا في محيط الجبهة أو خلف العينين.
ويكون هذا الصداع أو الإجهاد أكثر وضوحًا بعد فترات طويلة من القراءة، استخدام شاشات، أو مهام بصرية دقيقة.
صعوبة التركيز أثناء القراءة أو القيادة
عندما تصاب العينان بعدم المحاذاة، تنعدم قدرة الدماغ على الدمج الطبيعي للصورة مما يُضعف قدرة تقدير العمق والمسافات. هذا يجعل القراءة صعبة، خصوصًا النصوص الصغيرة، ويجعل القيادة أو تقدير مسافة السيارات أو الأشياء خطيرًا أو مرهقًا.
بعض المرضى قد يميلون لإمالة الرأس أو تغطية العين أثناء القراءة أو أثناء القيادة لتقليل ازدواجية الرؤية أو الصداع الناتج، ما يعكس مدى التأثير على النشاطات اليومية.
تأثير نفسي (القلق / الانعزال الاجتماعي)
الحول لا يقتصر على جانب بصري فقط، بل قد يكون له وقع نفسي واجتماعي مهم عند الكبار. كثير من الأشخاص يشعرون بالحرج أو الخجل من مظهر العينين غير المتناسق، مما قد يقلل ثقتهم بنفسهم ويؤثر على تفاعلهم مع الآخرين.
بالتالي، قد يختار البعض تجنّب التواصل بالعين أو الابتعاد عن المواقف الاجتماعية أو المهنية التي تتطلب تفاعلًا بصريًا، ما يزيد من القلق أو العزلة.
تشخيص الحول عند الكبار
الفحص السريري لدى طبيب العيون
يبدأ التشخيص بفحص بصري شامل يشمل:
- تاريخ الحالة: جمع معلومات مفصلة عن وقت بدء الحول، وهل هو متقطع أم دائم، وتاريخ الأمراض الجهازية (مثل السكري أو الغدة الدرقية).
- قياس حدة الإبصار: للتأكد من عدم وجود كسل في العين (Amblyopia) أو أخطاء انكسارية غير مصححة.
- فحص الجزء الأمامي والخلفي للعين: لاستبعاد أمراض أخرى مثل إعتام عدسة العين أو مشاكل الشبكية.
اختبارات العصب القحفي
عندما تُشتبه إصابة بإعاقة عصبية، قد يُطلب إجراء فحوصات لتقييم سلامة الأعصاب القحفية المسؤولة عن حركة العين (العصب الثالث، الرابع، والسادس). هذه الفحوصات تساعد على استبعاد أسباب عصبية للحول مثل جلطات أو أورام أو إصابات الدماغ.
في بعض الحالات، يُستخدم اختبار وظائف الرؤية الثنائية أو اختبارات خاصة لقياس التناغم بين العينين (مثل اختبار المنشور أو اختبارات الانحراف) كجزء من التقييم العصبي والعضلي.
قياس زاوية الحول
يُستخدم جهاز خاص أو اختبارات بسيطة (مثل اختبار التغطية والفتح – Cover/Uncover Test) لقياس زاوية انحراف العين بدقة. هذا القياس حيوي لتحديد:
- شدة الحول (خفيف، متوسط، شديد).
- نوع الحول (داخلي، خارجي، عمودي).
- الزاوية المطلوبة للتصحيح، وهي أساس التخطيط للجراحة أو لوصف النظارات المنشورية.
دور الأشعة أو الرنين في الحالات العصبية
في حال الاشتباه بوجود سبب عصبي أو مرضي خطير أدى إلى الحول المفاجئ (مثل السكتة الدماغية، الأورام، أو التصلب اللويحي)، قد يطلب الطبيب فحوصات تصوير متقدمة:
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): لتفحص الدماغ والأعصاب القحفية.
- التصوير المقطعي المحوسب (CT Scan): لتفحص محجر العين وعضلاتها، خاصة في حالات أمراض الغدة الدرقية أو الصدمات.
علاج الحول عند الكبار
يتمحور علاج الحول عند الكبار حول هدفين رئيسيين: استعادة المحاذاة البصرية وتقليل الأعراض (كازدواجية الرؤية)، وتحقيق تحسن تجميلي. وتتنوع الخيارات العلاجية من غير الجراحية إلى الجراحية.
النظارات الطبية أو العدسات المنشورية
متى تكون فعّالة؟
- في بعض حالات الحول، خصوصًا عندما يكون الانحراف بسيطًا أو متوسّطًا وتُصاحب الحالة ازدواجية خفيفة في الرؤية، قد تُستخدم نظارات مزودة بعدسات منشورية (Prism lenses / prism eyeglasses) لتصحيح المسار البصري وتعديل اتجاه الضوء الداخل إلى العين.
- تُعتبر هذه الطريقة فعّالة عندما تكون زاوية الحول صغيرة، أو عندما تكون الأعصاب وعضلات العين غير مُصابَة بشلل أو اضطراب شديد، أي في حالات “الحول غير الشّللي (non-paralytic strabismus)”.
- غالبًا تُستخدم المنشورات (prisms) كحل مؤقّت أو مساعد، خاصة في انتظار تقييم طبي شامل، أو في حالات لا تُناسب فيها الجراحة، أو حين يكون الهدف تخفيف ازدواج الرؤية وتحسين الراحة البصرية دون تدخل جراحي.
العلاج البصري (تمارين تقوية عضلات العين – Orthoptics)
خطوات، مدة، ونسبة نجاح
يُعرف العلاج البصري كخيار علاجي لبعض أنواع الحول عند الكبار، خاصة عند وجود خلل في تنسيق حركة العين أو ضعف في قدرات “التعاون البصري” بين العينين.
- يهدف هذا النوع من العلاج إلى تقوية عضلات العين وتحسين تناغمها، وكذلك تعزيز الاتصال بين العين والدماغ (neuro-visual processing) لتسهيل الدمج البصري، وهذا قد يؤدي إلى تحسن في محاذاة العينين، وقد تقلّ الحاجة إلى نظارات منشورية أو جراحة في بعض الحالات.
- مع ذلك، غالبًا لا يُعتبر العلاج البصري كحلّ دائم للحول عند الكبار إذا كان الانحراف كبيرًا أو ناتجًا عن شلل عضلي أو عصبي. وقد يكون أكثر فعالية في أنواع الحول المتقطّع أو الخفيف
الحقن بالبوتوكس لعضلات العين
كيف يعمل؟
- يتم حقن كمية ضئيلة من توكسين البوتولينوم (Botox) في إحدى عضلات العين الأكثر نشاطاً أو تقلصاً (العضلة المفرطة في الحركة).
- يعمل البوتوكس على شل العضلة بشكل مؤقت، مما يسمح للعضلة المقابلة (التي تعاني من الضعف) بالاسترخاء والسماح للعين بالاستقامة.
مدة التأثير؟
مدة تأثير البوتوكس مؤقتة (عادة عدة أشهر ) لكن في بعض الحالات قد يساعد على “إعادة ضبط” وضع العين، وقد يؤدي إلى تغيير دائم في محاذاة العينين، أو يوفّر “فترة راحة” قبل اتخاذ قرار الجراحة.
لمن يناسب؟
يناسب الحقن بالبوتوكس بشكل خاص الحول المكتسب أو في حالات الحول الناتج عن شلل جزئي، أو عندما تكون الزاوية صغيرة إلى متوسطة، أو كخطوة أولية قبل الجراحة لتقييم ردّ فعل العين.
الجراحة
كيف يتم تعديل عضلات العين؟
تُجرى العملية على عضلات العين الخارجية (خارج مقلة العين) لتغيير موقعها أو طولها أو قوتها:
- التقوية (Resection): تقصير العضلة لزيادة قوتها وسحب العين.
- الإضعاف (Recession): إرجاع موقع اتصال العضلة بمقلة العين إلى الخلف لإضعاف تأثيرها والسماح للعين بالاسترخاء.
نسب النجاح المتوقعة
تشير دراسات متعددة إلى أنّ نسبة نجاح الجراحة لدى الكبار تتراوح بين 70% و90% في تحقيق المحاذاة المطلوبة وتقليل ازدواجية الرؤية. وفي بعض الحالات قد يحتاج المريض إلى أكثر من عملية واحدة، خصوصًا عند وجود شلل عضلي، أو حول معقّد، أو تاريخ طويل للحول منذ الطفولة.
هل يحتاج المريض لعدة عمليات؟
قد يحتاج حوالي 10% إلى 30% من المرضى إلى عملية تصحيحية تكميلية (Touch-up surgery) للحصول على أفضل محاذاة ممكنة، خاصة في الحالات المعقدة أو التي تتطلب تصحيحاً لزوايا كبيرة. هذه الحاجة لا تعني فشل العملية الأولى، بل تعكس التحدي في التنبؤ بالاستجابة الدقيقة للعضلات.
هل يعود الحول بعد العلاج؟
احتمال الانتكاس
يُمكن أن يعود الحول لعدة أسباب، منها:
- عدم تأقلم الدماغ: فشل الدماغ في الحفاظ على التنسيق العضلي بعد الجراحة، خاصة إذا لم يكن هناك رؤية ثنائية سابقة.
- التغيرات المرضية: استمرار تطور المرض الأساسي (مثل اعتلال الغدة الدرقية أو الوهن العضلي).
- التغيرات الناتجة عن التقدم في العمر.
كيفية الحفاظ على النتيجة
للحفاظ على المحاذاة المصححة وتقليل احتمالية الانتكاس، يجب على المريض الالتزام بالآتي:
- ارتداء النظارات المصححة: إذا كان الطبيب قد وصف نظارات أو عدسات موشورية بعد الجراحة.
- متابعة الأمراض الجهازية: التحكم الصارم بمستويات السكر في الدم أو علاج اضطراب الغدة الدرقية.
- المتابعة الدورية: إجراء فحوصات دورية ومنتظمة لدى طبيب العيون للكشف المبكر عن أي انحراف بسيط قبل أن يتطور.
ملاحظة هامة: هذه المعلومات مُقدمة لأغراض التوعية العامة، وهي لا تُغني أبداً عن الاستشارة الطبية المتخصصة. يجب على المريض استشارة طبيب عيون مُختص بالحول لتشخيص حالته بدقة وتحديد خطة العلاج الأنسب له.
يُعدّ الحول عند الكبار حالة يمكن علاجها بفعالية متى شُخّصت بدقّة، سواء بالنظارات المنشورية أو التمارين البصرية أو الجراحة. ورغم احتمال عودة الانحراف لدى بعض المرضى، فإن المتابعة المنتظمة ومعالجة الأسباب المرافقة يساعدان على الحفاظ على نتائج مستقرة. إن فهم الخيارات العلاجية المتاحة يمكّن المريض من اتخاذ القرار الصحيح واستعادة رؤية مريحة وجودة حياة أفضل.
اقرأ أيضا : تعرف على 11 من أسباب احمرار العين وطرق علاجه