العلاج الكيميائي صنع لتدمير الخلايا دون التفرقة!
عرف الإنسان المواد الكيميائية منذ الأزل، من خلال احتكاكه بالطبيعة، حيث اكتشف معادن ونباتات لها تأثير عليه وعلى الحيوان والنبات فاستعملها في الخير والشر، ثم طوّرها على مر العصور وخلط بعضها ببعض، فكانت النتيجة عناصر كيميائية تستخدم في العقاقير الطبية للحفاظ على حياة الإنسان.
في المقابل صُنعت الأسلحة الكيماوية لتدمير حياة الإنسان، والقاسم المشترك في الحالتين هو أن هذه المواد الكيميائية فعالة جدا إلا أنها عمياء، في حروب البشر لا تُفرق بين كبير وصغير، ما إن يُلقى بها على منطقة ما حتى تؤثر على كل كائن يتنفس الهواء.
يقع الأمر نفسه تماماً عند استعمالها في الحرب ضد الأمراض، خاصة مرض السرطان، فعندما يتم حقنها في جسم المريض، لا تفرق بين خلية سرطانية وخلية سليمة، لها هدف واحد تؤديه بكفاءة عالية، هو تدمير أي خلية تنقسم بسرعة داخل جسم الإنسان، وما ينقسم بسرعة داخل جسم الإنسان ليس بالضرورة سرطانّي فهناك بعض الخلايا السليمة هي الأخرى تنقسم بسرعة مثل خلايا الدم وخلايا الجهاز الهضمي وبعض خلايا الجلد و الشعر.
طريقة عمل العلاج الكيميائي:
للضرورة أحكام، وأحكام العلاج الكيميائي على جسم الإنسان تتجلى في تغييرات ناتجة عن تأثر بعض الخلايا السليمة، فبعد أول جرعة من الدواء الكيميائي تظهر الأعراض الجانبية، وتختلف هذه الأعراض حسب العقار المستخدم، فقد يبدأ شعر المريض بالتساقط نتيجة التأثير الكيميائي على بصيلات الشعر، بما في ذلك شعر الرأس والحاجبين والإبطين وشعر العانة، إلا أنها تعود للنمو بعد فترة من انتهاء العلاج الكيميائي.
أما تأثيره على خلايا الدم فينتج عنه إجهاد وعياء شديد وآلام في العضلات والرأس بسبب قلة الكريات الحمراء التي تنقل الاوكسجين لجميع أعضاء الجسم وخلاياه. الكريات البيضاء هي الأخرى ليست بمنأى عن التأثر وقلتها سبب رئيسي في ضعف المناعة لدى المرضى الذين يتلقون جرعات العلاج الكيميائي أما الصفائح الدموية فلها دور في وقف النزيف الدموي وقلتها تعني أن الجسم لن يتمكن من وقف النزيف بطريقة تلقائية.
الخلايا الأخرى السليمة والتي لا يستطيع العلاج الكيميائي التفريق بينها وبين الخلايا السرطانية هي خلايا الجهاز الهضمي مثل خلايا الفم والمريء والقولون، هذه الخلايا معروف دورها في استقبال الطعام وهضمه وامتصاص ما فيه من عناصر ضرورية لبناء جسم الانسان ومعروف كذلك عن هذه الخلايا أنها خلايا تتجدد وتنقسم بسرعة الأمر الذي يجعلها في مرمى نيران صديقة تصيبها بتقرحات تجعلها عاجزة عن تأدية وظيفتها. لذلك نلاحظ عند مرضى السرطان بصفة خاصة أو أي مريض يعالج بالدواء الكيميائي بصفة عامة أعراضاً من قبيل نقص الوزن والغثيان والقيء والإسهال والإمساك وآلام في الفم وفقدان للشهية. وهذه كلها نتيجة لتأثر خلايا الجهاز الهضمي بالعلاج الكيميائي.
كل هذه الأعراض والتغيرات التي تطرأ على جسم الإنسان بعد تناوله لجرعات الكيميائي تختلف حدتها من مريض لآخر، على حسب سنّه، وقوّته الجسمانية، والعادات الصحية التي كان يمارسها منذ شبابه، كمزاولة الرياضة بشكل دوري والامتناع عن التدخين واستهلاك الكحول واعتماد نظام غذائي صحي، هذه كلها عادات تسهم في بناء جسم صلب من الداخل، قادر على المقاومة.
أخيراً، رغم كل ما أحصيناه للعلاج الكيميائي من تأثيرات سلبية على جسم المريض إلا أنه يبقى سلاحاً و أداةً لمقاومة السرطان و دونه الاستسلام و الوهن ثم الموت، و لَإن استطاع الإنسان تطوير هذا السلاح و الحد من سلبياته فستضع الحرب أوزارها إيذانا بعصر جديد خالٍ من الانقسامات العشوائية ، خالٍ من السرطان .
تحرير: يوسف لطف الله
طالب سنة سابعة طب
كلية الطب و الصيدلة و طب الأسنان جامعة دكار
التدقيق العلمي: د.مريم أزكرار اختصاصية في الأنكولوجيا