ورغم أن الستاتينات تظل الخيار العلاجي الأول لخفض الكوليسترول، إلا أنّ بعض المرضى لا يحققون استجابة كافية، أو يعانون من آثار جانبية تحدّ من استعمالها. هنا ظهر علاج الكوليسترول بالحقن كأحد أحدث الأدوية وأكثرها فعالية، 

ما هي حقن خفض الكوليسترول؟

تُعرف حقن خفض الكوليسترول الحديثة باسم مثبطات PCSK9 (Proprotein Convertase Subtilisin/Kexin type 9)، وهي فئة دوائية ثورية تمثل تقدماً كبيراً في علاج فرط كوليسترول الدم. هذه الحقن عبارة عن أجسام مضادة يتم تصنيعها مخبرياً، وتستهدف بروتيناً محدداً في الكبد يُسمى PCSK9، الذي يلعب دوراً محورياً في تنظيم مستويات الكوليسترول في الدم. وتُعطى هذه الأدوية عن طريق الحقن تحت الجلد، بدلاً من الأقراص الفموية التقليدية.

كيف تختلف عن الحبوب التقليدية؟ 

الجانب الحبوب التقليدية (الستاتينات) حقن خفض الكوليسترول
آلية العمل تقلّل إنتاج الكوليسترول في الكبد. تثبّط بروتين PCSK9 لزيادة التخلص من LDL.
الفعالية خفض الكوليسترول الضار (LDL) بنسبة 20–40%. خفض LDL بنسبة تصل إلى 60%.
طريقة الاستخدام عن طريق الأقراص الفموية (عادة مرة واحدة يومياً). عن طريق الحقن تحت الجلد (عادة مرة واحدة كل أسبوعين أو شهر).
الالتزام بالعلاج قد يكون صعبًا بسبب الجرعات اليومية. أسهل نظرًا لقلة عدد الجرعات.
الاستخدام الأساسي تُستخدم كخط العلاج الأول لمعظم حالات ارتفاع الكوليسترول. تُستخدم كعلاج إضافي مع الستاتينات، أو كخيار بديل للمرضى الذين يعانون من عدم تحمل شديد للستاتينات أو لديهم مستويات كوليسترول عنيدة جداً.

آلية عمل حقن الكوليسترول

دور بروتين PCSK9 في ارتفاع الكوليسترول.

يلعب بروتين PCSK9 دورًا مهمًا في تنظيم مستويات الكوليسترول الضار (LDL) في الدم. يعمل هذا البروتين على تكسير مستقبلات LDL الموجودة على سطح خلايا الكبد، وهي المستقبلات المسؤولة عن التقاط الكوليسترول من الدم والتخلص منه. وعندما يكون نشاط PCSK9 مرتفعًا، يقل عدد هذه المستقبلات، فيرتفع مستوى الكوليسترول في الدم، مما يزيد خطر الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب والشرايين.

كيف تعمل الحقن على خفض LDL (الكوليسترول الضار)؟

تستهدف حقن خفض الكوليسترول (مثل مثبّطات PCSK9) هذا البروتين مباشرةً، فترتبط به وتمنعه من تكسير مستقبلات LDL. ونتيجة لذلك، يبقى عدد أكبر من المستقبلات نشطًا على سطح خلايا الكبد، مما يزيد من قدرتها على التقاط وإزالة الكوليسترول الضار من مجرى الدم. 

الأنواع الأكثر شيوعًا

إيفولوكوماب (Evolocumab)

يُعدّ الإيفولوكوماب (المعروف تجارياً باسم Repatha) من أوائل مثبطات PCSK9 التي حازت على موافقة الهيئات الصحية العالمية.

  • آلية العمل: يعمل كجسم مضاد يرتبط ببروتين PCSK9 ويمنعه من تدمير مستقبلات LDL في الكبد.
  • الفعالية: أثبتت الدراسات الكبرى، مثل دراسة FOURIER، قدرته على خفض الكوليسترول الضار (LDL) بشكل كبير، بالإضافة إلى تقليل خطر الإصابة بحوادث القلب والأوعية الدموية الرئيسية (النوبات القلبية والسكتات الدماغية).
  • الجرعة: يُعطى عن طريق الحقن تحت الجلد، إما مرة واحدة كل أسبوعين أو مرة واحدة شهرياً، حسب الجرعة التي يحددها الطبيب.

عليروكوماب (Alirocumab)

العليروكوماب (المعروف تجارياً باسم Praluent) هو مثبط PCSK9 آخر يعمل بنفس الآلية الأساسية للإيفولوكوماب.

  • الفعالية: أكدت دراسات سريرية مهمة، مثل دراسة ODYSSEY Outcomes، فعاليته في خفض مستويات LDL-C إلى مستويات مستهدفة، وتقليل الأحداث القلبية الوعائية الحادة لدى المرضى المعرضين لمخاطر عالية.

أدوية تحت التجارب السريرية

لا يزال البحث مستمراً لتطوير علاجات جديدة تستهدف نفس المسار الحيوي لكن بآليات مختلفة، وأبرزها:

  • إنكليزيران (Inclisiran): لا يُعدّ جسماً مضاداً تقليدياً، بل هو علاج قائم على تداخل الحمض النووي الريبي (RNA interference). يعمل على إسكات الجين المسؤول عن إنتاج بروتين PCSK9 في الكبد.
  • الميزة: تكمن ميزة هذا الدواء في أنه يُعطى بجرعات متباعدة جداً، حيث يحتاج إلى حقنة واحدة كل ستة أشهر بعد الجرعات الأولية، مما يعدّ تقدماً كبيراً في تسهيل الالتزام بالعلاج.

 لمن تُعطى هذه الحقن؟

مرضى لديهم تاريخ مع أمراض القلب والشرايين.

تُوصى حقن خفض الكوليسترول بشكل خاص للمرضى الذين لديهم تاريخ مرضي مع أمراض القلب والشرايين، مثل النوبات القلبية أو الجلطات الدماغية. هؤلاء المرضى غالبًا ما يكونون في فئة “الخطورة العالية جدًا”، ويحتاجون إلى خفض مستويات الكوليسترول الضار (LDL) بشكل أسرع وأكثر فعالية من الطرق التقليدية.

مرضى لم يستجيبوا للستاتينات.

رغم أن الستاتينات تظل العلاج الأول لارتفاع الكوليسترول، إلا أن نسبة من المرضى لا تحقق الاستجابة المطلوبة حتى مع الجرعات العالية. في هذه الحالات، تصبح أدوية الكوليسترول الحديثة مثل إيفولوكوماب وعليروكوماب خيارًا علاجيًا مناسبًا. فقد أثبتت التجارب السريرية أن الجمع بين الستاتينات وهذه الحقن يؤدي إلى خفض إضافي يصل إلى 60% في مستويات LDL، ما يقلل بشكل كبير من خطر أمراض القلب المستقبلية.

من يعانون من آثار جانبية خطيرة من الأدوية الأخرى.

بعض المرضى لا يستطيعون الاستمرار في تناول الستاتينات بسبب آثارها الجانبية، خصوصًا آلام العضلات الشديدة أو مشاكل الكبد. هنا تظهر الحقن كبديل فعّال وآمن نسبيًا، حيث أظهرت الدراسات أن مثبّطات PCSK9 تُسبب آثارًا جانبية أقل خطورة. وهذا يفتح المجال أمام فئة كبيرة من المرضى للاستفادة من خفض الكوليسترول دون المخاطرة بمضاعفات الأدوية التقليدية.

فوائد حقن خفض الكوليسترول

خفض الكوليسترول الضار بنسبة تصل إلى 60%.

يمكن لمثبطات PCSK9 أن تخفض مستويات LDL-C بما يتراوح بين 50% إلى 70%، وغالباً ما يتم استخدامها لمساعدة المرضى على الوصول إلى مستويات شديدة الانخفاض، حتى أقل من 30 ملغ/ديسيلتر، وهو أمر يصعب تحقيقه بالستاتينات وحدها.

تقليل خطر النوبات القلبية والسكتات.

الهدف النهائي من خفض الكوليسترول ليس مجرد تحسين الأرقام في المختبر، بل تقليل الأحداث القلبية الوعائية الخطيرة.

  • أظهرت الدراسات السريرية الكبرى (مثل FOURIER و ODYSSEY Outcomes) أن إضافة حقن PCSK9 إلى علاج الستاتينات يقلل بشكل كبير من معدل الأحداث القلبية الوعائية الرئيسية مثل:
    • النوبة القلبية (Myocardial Infarction).
    • السكتة الدماغية (Stroke).
    • الحاجة إلى إعادة توعية الشرايين (Revascularization).

نتائج طويلة المدى مثبتة بالدراسات

تُشير الدراسات طويلة المدى إلى أن مثبّطات PCSK9 تحافظ على مستويات منخفضة من LDL لفترات ممتدة، مع تقليل مضاعفات القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل. النتائج المتوفرة حتى الآن تثبت فعالية هذه الحقن وأمانها، مما يجعلها خيارًا مستدامًا لمرضى ارتفاع الكوليسترول المقاوم للعلاج التقليدي. وتشير البيانات إلى أن الالتزام بهذه الحقن يعزز الفوائد الوقائية على المدى البعيد.

 الآثار الجانبية المحتملة

تُعتبر حقن علاج الكوليسترول آمنة نسبيًا، لكن قد تظهر بعض الآثار الجانبية. الأكثر شيوعًا تشمل ألم أو احمرار مكان الحقن وأعراض تشبه الإنفلونزا، مثل الحمى والصداع. أما الأقل شيوعًا، فقد تشمل تفاعلات تحسسية أو آلام المفاصل. نادرًا ما تظهر مضاعفات خطيرة، لذلك يجب مراقبة الأعراض والإبلاغ عنها للطبيب فورًا لضمان سلامة العلاج واستمراريته.

متى يجب استشارة الطبيب؟

يجب استشارة الطبيب فورًا في الحالات التالية:

  • ظهور أعراض تحسسية شديدة بعد الحقن مثل تورم الوجه أو صعوبة التنفس.
  • عدم ملاحظة تحسن مستويات LDL بعد عدة أشهر من العلاج.
  • الشعور بآلام غير معتادة في العضلات أو المفاصل أو أي أعراض غير مبررة.

 الاستشارة الدورية مهمة لمتابعة فعالية العلاج وضبط الجرعات حسب الحالة الفردية.

أسئلة شائعة قد تهمك

هل تغني هذه الحقن عن الحبوب التقليدية؟

لا تُغني حقن خفض الكوليسترول عن الستاتينات بشكل مطلق، لكنها تُعد بديلًا فعالًا أو مكمّلًا للمرضى الذين لم يستجيبوا للعلاج التقليدي أو الذين يعانون من آثار جانبية شديدة. غالبًا ما يُستخدم الجمع بين الحقن والستاتينات لتحقيق خفض أكبر لمستوى LDL وتقليل خطر المضاعفات القلبية المستقبلية.

تُشكّل حقن خفض الكوليسترول إضافة نوعية في مجال علاج ارتفاع مستويات LDL، خصوصًا للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاجات التقليدية أو يعانون من آثار جانبية. تُوفّر هذه الحقن نتائج سريعة وملموسة على مستويات الكوليسترول الضار، مع دعم علمي طويل المدى يبرهن على قدرتها في الوقاية من المضاعفات القلبية. ومع ذلك، يبقى الإشراف الطبي المستمر ضروريًا لضمان أفضل النتائج وتجنب أي مضاعفات محتملة، مما يجعلها خيارًا موثوقًا للأشخاص ذوي الخطورة العالية.

اقرأ أيضا : تخفيض الكوليسترول في الدم: ماهي الطريقة المثلى؟