من المعروف أننا نستشعر الروائح عن طريق خلايا عصبية تسمى “الخلايا العصبية الحسية الشمية”، والتي توجد في أعلى الجزء الخلفي من الأنف في بنية تسمى البصلة الشمية. تحتوي هذه الخلايا العصبية على نتوءات صغيرة تشبه الشعر تمتد إلى بطانة الأنف المغطاة بالمخاط وتستجيب لجزيئات الرائحة التي نتنفسها من خلال أنوفنا.

في وقت مبكر من الوباء، كان العلماء يخشون من أن SARS-CoV-2 قد يتسبب في فقدان الشم عن طريق إصابة هذه الخلايا العصبية الشمية ثم يشق طريقه إلى الدماغ، حيث من الممكن أن يتسبب له في تلف دائم! لكن الأبحاث كشفت ما يلي:

كيف يفقد الأشخاص المصابون بكوفيد-19 إحساسهم بالروائح؟

حسب مجلة نيتشر Nature هناك إجماع على أن فقدان حاسة الشم يحدث عندما يصيب الفيروس التاجي الخلايا التي تدعم الخلايا العصبية في الأنف.

عندما حدد الباحثون لأول مرة فقدان الشم كأحد أعراض كوفيدـ 19 كانوا قلقين من أن السبب هو عمل الفيروس على إصابة الخلايا العصبية المستشعرة للرائحة في الأنف، والتي ترسل إشارات إلى البصلة الشمية في الدماغ – وبالتالي يمكن للفيروس الوصول إلى الدماغ! لكن، أظهرت دراسات بعد وفاة 4 أشخاص من مضاعفات كوفيد ـ 19 أن الفيروس نادرًا ما يصل إلى الدماغ.

وبدلاً من ذلك، وجد فريق بقيادة سانديب روبرت Sandeep Robert، عالمة الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن، ماساتشوستس، أن الخلايا التي تدعم الخلايا العصبية الحسية في الأنف – والمعروفة باسم الخلايا الداعمة – هي على الأرجح ما يستهدفه الفيروس.

لكن، هل يمكن أن نفقد حاستي الشم والذوق نهائيا بعد التعافي من كوفيد ـ 19؟!

يسترد معظم الناس حواسهم في غضون أسابيع، وذلك حسب دراسة نُشرت في 8 يوليو 2020، حيث أفاد 72% من الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشم والذوق بعد الإصابة بالكوفيد أنهم استعادوا حاسة الشم بعد شهر، كما استرد 84% منهم حاسة التذوق خلال نفس المدة. 

لاحظت كلير هوبكنز Claire Hopkins، استشارية الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى جايز وسانت توماس في لندن، بعد متابعة حالة 202 مريضًا لمدة شهر، أن 49% منهم أبلغوا عن تعافيهم التام خلال ذلك الوقت، كما أفاد 41% منهم بتحسن اضطرابات الشم والذوق لديهم.

وحسب مؤسسة مايو للتعليم والبحث الطبي، يمكن لحوالي 90% من المصابين توقع تحسن في غضون أربعة أسابيع، في حين قد يواجه البعض اضطرابا دائما لهذه الحواس!

عكس الشم، لماذا يصعب تقييم فقدان التذوق؟!

يصعب تقييم فقدان حاسة التذوق لدى مرضى كورونا، لأن معظم الدراسات تعتمد على إبلاغ المرضى بأنفسهم عن أعراضهم، لذلك كان من الصعب تقييم مدى فقدان حاسة التذوق لديهم! يعتقد البعض أن فقدان حاسة التذوق هي نتيجة لفقدان الرائحة، حيث يتأثر إدراك النكهة بشدة بحاسة الشم لدينا، وهذا هو السبب في أن إمساك الأنف يمكن أن يجعلك تبتلع الأطعمة التي لا تحبها بشكل أسهل!

ومع ذلك، في دراسة أجريت على 2428 فردًا، أفاد 3% منهم فقط أنهم ما زالوا غير قادرين على التمييز بين المذاق الحلو والحامض والمالح والمر -المذاق الذي يشعر به براعم التذوق على ألسنتنا بشكل مباشر- بعد ستة أشهر.

باروسميا.. الهلوسة الشمية بعد كورونا!

عندما يستعيد الشخص حاسة الشم، ويستشعر الروائح على أنها كريهة ومختلفة عن كيفية تذكره لها، نكون أمام ظاهرة تسمى باروسميا parosmia، حيث يبدو كل شيء كريه الرائحة لهؤلاء الأشخاص، ويمكن أن تستمر الهلوسة الشمية بعد كورونا لعدة أشهر! والسبب أن الخلايا العصبية الحسية الشمية تعيد توصيل الأسلاك أثناء تعافيها. 

وأكدت الدراسة السابقة التي أجريت على 2428 شخص أن الهلوسة الشمية هي علامة على أن خلاياك العصبية تتعافى!

فيما يظل المرضى الآخرون مصابين باضطرابات الشم والذوق بعد الإصابة بالكوفيد لعدة أشهر، وحسب هوبكنز السبب في هذه الحالات هو أن عدوى فيروس كورونا قتلت الخلايا العصبية الحسية الشمية.

لماذا قد لا يعاني البعض من فقدان أو خلل في حاستي الشم والذوق فيما يفقدهما البعض الآخر؟

أظهرت دراسة حديثة تستند إلى بيانات بأثر رجعي أن المرضى الذين تظل وظيفة الشم لديهم طبيعية خلال الإصابة بكوفيدـ 19 يكون مسار المرض لديهم أسوأ وهم أكثر عرضة للدخول إلى المستشفى ووضعهم على جهاز التنفس الصناعي! وبالتالي يشير هذا إلى أن المرضى الذين يعانون من خلل في حاستي الشم والذوق قد يعانون من عدوى أو مرض أكثر اعتدالًا!

بعد قراءتك للمقال، شاركنا الأعراض التي صاحبت إصابتك بكوفيدـ 19! ولمعرفة ما عليك القيام به في حال إصابتك بالهلوسة الشمية بعد تعافيك من كورونا، اقرأ المقال التالي على موقعنا: “اضطرابات الشم والذوق بعد الإصابة بالكوفيد: ما الذي يجب القيام به؟”.