من بين هذه الخيارات، يبرز الصيام المتقطع كنهج واعد حاز اهتمامًا متزايدًا من الباحثين، خصوصًا لما له من آثار إيجابية محتملة على تنظيم مستويات السكر في الدم وتحسين حساسية الإنسولين. في هذا المقال، نستعرض علاقة الصيام المتقطع بمرض السكري، فوائده، آلياته، وأفضل الطرق لتطبيقه بأمان.
ما هو الصيام المتقطع؟
تعريف الصيام المتقطع
الصيام المتقطع هو نمط غذائي يعتمد على التناوب بين فترات الأكل وفترات الصيام، دون التركيز بالضرورة على نوعية الطعام، بل على توقيت تناوله. يهدف هذا النمط إلى تحفيز العمليات الحيوية في الجسم، مثل تحسين التمثيل الغذائي، وتعزيز حساسية الإنسولين، خاصة لدى مرضى السكري.
يرتكز الصيام المتقطع على آليات فسيولوجية طبيعية؛ فعند الامتناع عن تناول الطعام لعدة ساعات، ينخفض مستوى الإنسولين، ويبدأ الجسم باستخدام مخزون الدهون كمصدر للطاقة، مما يساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم بطريقة فعالة وآمنة.
أنواع الصيام المتقطع
توجد عدة أنواع من الصيام المتقطع، تختلف في عدد ساعات الصيام وطريقة تنظيم الوجبات. من بين الأنواع الأكثر شيوعًا:
- نظام 16/8: يُعد من أكثر الأنظمة رواجًا، ويقوم على الصيام لمدة 16 ساعة (تشمل ساعات النوم) وتناول الطعام خلال 8 ساعات فقط في اليوم. مثلًا، يمكن تناول الوجبات بين الساعة 12 ظهرًا و 8 مساءً.
- نظام 5:2: يعتمد على تناول الطعام بشكل طبيعي لمدة خمسة أيام في الأسبوع، مع تقليل السعرات الحرارية إلى نحو 500–600 سعرة فقط خلال يومين غير متتاليين.
- الصيام يومًا بعد يوم: يقوم على التناوب بين يوم من الصيام الكامل أو شبه الكامل، ويوم من الأكل الطبيعي.
- الصيام المطوّل (24 ساعة أو أكثر): يُطبق عادةً مرة أو مرتين في الأسبوع، ويشمل الامتناع التام عن الطعام لفترات طويلة، مع الاكتفاء بشرب الماء أو المشروبات غير المحلاة.
ظهرت مراجعة نُشرت في مجلة New England Journal of Medicine عام 2019 أن الصيام المتقطع قد يُساعد على تقليل الالتهاب، وتنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، وتحسين مؤشرات صحة القلب والأوعية الدموية .
اختيار النوع المناسب يعتمد على الحالة الصحية، ونمط الحياة، وأهداف الشخص من الصيام. وبالنسبة لمرضى السكري، من الضروري استشارة الطبيب قبل اعتماد أي من هذه الأنواع لضمان السلامة والفعالية.
الصيام المتقطع ومرض السكري
تأثير الصيام على مستويات السكر في الدم
ظهرت دراسات متعددة أن الصيام المتقطع يمكن أن يُساعد على تحسين توازن مستويات الجلوكوز في الدم لدى بعض مرضى السكري من النوع الثاني. عند التوقف عن تناول الطعام لفترة محددة، تقل كمية الجلوكوز الداخل إلى الجسم، مما يُقلل من حاجة الجسم لإفراز الإنسولين، ويساعد على استقرار مستويات السكر (PubMed, 2020).
ومع ذلك، من المهم مراقبة مستويات الجلوكوز بانتظام أثناء الصيام، خاصة لمن يتناولون أدوية خافضة للسكر أو الإنسولين، لأن خطر الإصابة بنقص السكر في الدم (Hypoglycemia) قد يزداد في بعض الحالات.
كيف يؤثر الصيام على حساسية الإنسولين؟
يُعد تحسين حساسية الإنسولين من أبرز الفوائد المحتملة للصيام المتقطع، خاصة لمرضى السكري من النوع الثاني. فعندما يمتنع الجسم عن تناول الطعام لفترات منتظمة، ينخفض إفراز الإنسولين بشكل طبيعي، مما يمنح الخلايا فرصة لاستعادة استجابتها لهذا الهرمون الحيوي.
تشير الأبحاث إلى أن الصيام المتقطع قد يساهم في تقليل مقاومة الإنسولين، وهي حالة تصبح فيها الخلايا أقل قدرة على الاستجابة للإنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. بتحسن هذه الحساسية، يتمكن الجسم من استخدام الإنسولين بشكل أكثر فعالية لنقل الجلوكوز إلى داخل الخلايا، مما يساعد في استقرار نسبة السكر في الدم.
مع ذلك، من المهم أن يتم اعتماد الصيام تحت إشراف طبي، لأن استجابة الجسم تختلف بحسب الحالة الصحية، ونمط الحياة، ومستوى تقدم السكري لدى الشخص.
اقرأ أيضا : الصيام المتقطع: الأنواع والفوائد والتنفيذ
فوائد الصيام المتقطع لمرضى السكري
تحسين السيطرة على مستوى السكر
من أبرز الفوائد التي يُمكن أن يقدمها الصيام المتقطع لمرضى السكري من النوع الثاني هي المساعدة في تنظيم مستويات السكر في الدم. خلال فترات الصيام، ينخفض إنتاج الإنسولين تدريجيًا، مما يقلل من التذبذبات المفاجئة في نسبة السكر، ويُعزز الاستقرار الأيضي.
تشير مراجعة بحثية نُشرت عام 2021 في مجلة Clinical Diabetes and Endocrinology إلى أن الصيام المتقطع ساهم في تقليل متوسط مستويات السكر الصيامي (Fasting Blood Glucose) وتحسين الهيموغلوبين السكري (HbA1c) لدى بعض المرضى الذين اتبعوه تحت إشراف طبي.
مع ذلك، فعالية الصيام تختلف من شخص لآخر، ويجب دومًا مراقبة مستويات السكر تفاديًا لهبوطها خلال ساعات الصيام، خاصةً عند استخدام الأدوية الخافضة للسكر.
تعزيز فقدان الوزن بطريقة صحية
زيادة الوزن تُعد من أبرز العوامل المرتبطة بتفاقم أعراض السكري. وقد وُجد أن الصيام المتقطع يمكن أن يُساعد على فقدان الوزن بشكل فعّال من خلال تقليل إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة وتحفيز الجسم على استخدام الدهون كمصدر للطاقة.
دراسة نُشرت عام 2020 في مجلة Obesity أظهرت أن المشاركين الذين اتبعوا نظام صيام 16/8 خسروا وزنًا أكثر مقارنة بمن اتبعوا نظامًا غذائيًا تقليديًا.
تقليل مقاومة الإنسولين
مقاومة الإنسولين تُعد من الأسباب الرئيسية لتطور مرض السكري من النوع الثاني. الصيام المتقطع يُحفّز الجسم على استخدام الإنسولين بشكل أكثر فعالية، مما يُقلل من هذه المقاومة تدريجيًا.
في دراسة نُشرت بمجلة Translational Research، لوحظ انخفاض مقاومة الإنسولين لدى المشاركين بعد 4 أسابيع من تطبيق نظام صيام متقطع.
تقليل مخاطر المضاعفات المرتبطة بالسكري
إضافة إلى تنظيم السكر والوزن، يمكن للصيام المتقطع أن يُقلل من عوامل الخطر المرتبطة بمضاعفات السكري مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والدهون الثلاثية.
بحسب دراسة منشورة في The New England Journal of Medicine، الصيام المتقطع ساهم في تحسين المؤشرات الحيوية المرتبطة بصحة القلب وتقليل الالتهاب المزمن، وهما عاملان مرتبطان بخطر المضاعفات لدى مرضى السكري.
هل الصيام المتقطع آمن لجميع مرضى السكري؟
بينما يُظهر الصيام المتقطع فوائد واعدة في إدارة السكري، إلا أن الأمان لا ينطبق على الجميع بشكل متساوٍ. فمدى ملاءمته يعتمد على نوع السكري، العلاج المستخدم، والحالة الصحية لكل مريض. لهذا من الضروري تحديد الفئات التي قد تستفيد من الصيام، وتلك التي يجب أن تتجنبه.
الفئات التي يناسبها الصيام
يمكن أن يكون الصيام المتقطع آمنًا وفعّالًا لبعض مرضى السكري، خصوصًا:
- مرضى السكري من النوع الثاني الذين لا يعتمدون على الإنسولين، بل يستخدمون أدوية مثل الميتفورمين أو يمارسون تغييرات في نمط الحياة فقط.
- المرضى الذين يتمتعون بتوازن نسبي في مستويات السكر وليس لديهم تاريخ من انخفاضات حادة أو متكررة في الجلوكوز.
- الأشخاص الذين لديهم وزن زائد أو مقاومة إنسولين، حيث أظهرت دراسات أن الصيام المتقطع يمكن أن يُحسّن من حساسية الجسم للإنسولين ويقلل من الدهون الحشوية.
تشير مراجعة بحثية منشورة في Translational Research سنة 2021 إلى أن الصيام المتقطع ساهم في تحسين التمثيل الغذائي وتقليل مقاومة الإنسولين لدى مرضى السكري من النوع الثاني الذين لا يعتمدون على حقن الإنسولين .
الفئات التي يجب أن تتجنب الصيام
رغم الفوائد المحتملة، إلا أن الصيام المتقطع لا يُوصى به لجميع مرضى السكري. الفئات التالية يجب أن تتجنّب هذا النمط الغذائي إلا تحت إشراف طبي صارم:
- مرضى السكري من النوع الأول، نظرًا لاحتمالية حدوث انخفاضات خطيرة في سكر الدم (Hypoglycemia) خاصة أثناء فترات الصيام الطويلة.
- الأشخاص الذين يعتمدون على الإنسولين أو أدوية محفزة لإفراز الإنسولين، مثل السلفونيل يوريا، حيث قد يؤدي الصيام دون تعديل الجرعات إلى تقلبات حادة في السكر.
- المرضى الذين لديهم تاريخ من انخفاضات متكررة أو غير متوقعة في سكر الدم.
- النساء الحوامل أو المرضعات المصابات بالسكري، لأن الصيام قد يُهدد استقرار السكر ويؤثر على صحة الأم والجنين.
- كبار السن الذين يعانون من مشاكل صحية متعددة أو ضعف عام، وقد لا يتحملون فترات الامتناع الطويلة عن الطعام.
- الأشخاص الذين لديهم اضطرابات في الأكل أو تاريخ مرضي معها، لأن الصيام قد يُفاقم الحالة النفسية أو الجسدية لديهم.
وقد شددت جمعية السكري الأمريكية (ADA) في توصياتها لسنة 2022 على ضرورة تجنب الصيام المتقطع لدى مرضى السكري الذين يعانون من تقلبات شديدة في الجلوكوز أو يستخدمون أدوية تؤثر بشكل مباشر على مستويات السكر.
كيفية تطبيق الصيام المتقطع بأمان لمرضى السكري
الصيام المتقطع يمكن أن يكون أداة فعّالة لتحسين صحة مرضى السكري، لكن تطبيقه يتطلّب حذرًا وخطوات مدروسة لتفادي أي مضاعفات. إليك أهم التوصيات لضمان صيام آمن:
- استشارة الطبيب قبل البدء لتقييم نوع السكري، مستوى التحكم بالسكر، ونوع العلاج المستخدم.
- البدء بنمط صيام معتدل مثل 12:12 أو 14:10.
- مراقبة دقيقة لمستويات السكر باستخدام جهاز قياس منزلي لتفادي أي طارئ.
- تناول وجبات متوازنة تحتوي على كربوهيدرات معقدة (مثل الشوفان والحبوب الكاملة)،بروتينات، ودهون صحية (مثل زيت الزيتون والمكسرات) خلال فترة الأكل.
- تجنّب ممارسة التمارين الشاقة أثناء فترة الصيام، وشرب كميات كافية من الماء.
وفقًا لمراجعة منهجية منشورة في BMJ Open Diabetes Research& Care 2021، فإن اتباع هذه الإجراءات تحت إشراف طبي يجعل الصيام المتقطع خيارًا آمنًا ومفيدًا لبعض مرضى النوع الثاني من السكري.
اقرأ أيضا : أضرار الصيام المتقطع للنساء : هل يناسب صحتك أم لا؟
أسئلة شائعة قد تهمك
هل الصيام المتقطع مفيد لمرضى السكري من النوع الثاني؟
الصيام المتقطع يُعتبر من الأدوات المفيدة التي يمكن لمرضى السكري من النوع الثاني استخدامها كجزء من خطة علاجهم. تشير الدراسات إلى أن الصيام المتقطع يساعد على تحسين حساسية الجسم للإنسولين، مما يؤدي إلى تحسين التحكم في مستويات السكر في الدم. بالإضافة إلى ذلك، يساهم في فقدان الوزن وتقليل الدهون المتراكمة، وهما عاملان رئيسيان في تقليل خطر تطور مضاعفات السكري مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم.
مع ذلك، يجب أن يكون الصيام جزءًا من نظام علاجي متكامل يشمل تناول الأدوية الموصوفة و المتابعة الطبية المنتظمة.
هل الصيام المتقطع يغني عن تناول أدوية السكري؟
لا يُعتبر الصيام المتقطع بديلاً عن الأدوية الخاصة بالسكري. فهو يمكن أن يساعد في تحسين نتائج العلاج والسيطرة على مستويات السكر، لكنه لا يغني عن أهمية تناول الأدوية التي وصفها الطبيب. التوقف عن الأدوية بشكل مفاجئ أو دون استشارة طبية يمكن أن يعرض المريض لمخاطر صحية خطيرة مثل ارتفاع مستويات السكر بشكل حاد أو مضاعفات أخرى.
لذلك، يجب دائمًا مناقشة أي تغييرات في النظام الغذائي أو جدول الأدوية مع الطبيب المختص، لضمان أمان وفعالية العلاج.
الصيام المتقطع ليس مجرّد نظام غذائي عصري، بل أصبح أداة فعّالة يُمكن أن تُساهم بشكل كبير في تحسين حياة مرضى السكري، خاصةً من النوع الثاني. من خلال تنظيم مستويات السكر، وتحسين حساسية الإنسولين، وتعزيز فقدان الوزن، يمكن أن يكون للصيام أثر إيجابي واضح في إدارة المرض.
لكن من المهم التأكيد على أن الصيام المتقطع ليس مناسبًا للجميع، ويجب دائمًا استشارة الطبيب قبل البدء به، خصوصًا لمن يتناولون الأدوية الخافضة للسكر أو الأنسولين. كما أن التخطيط الجيد، والمراقبة المستمرة لمستوى السكر، والالتزام بتغذية صحية خلال فترات الإفطار، هي مفاتيح النجاح في هذا النمط الغذائي.
هل لديك أسئلة حول الصيام والسكري؟ تواصل معنا أو تابعنا على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على نصائح يومية ومصادر طبية موثوقة.