ما هو تليف الكبد؟

يحدث تليف الكبد عندما تتكرر إصابة الكبد, سواء بسبب التهاب أو سموم أو أمراض أخرى.  فيحاول الكبد إصلاح نفسه عن طريق تكوين أنسجة ليفية ندبية بدلاً من الأنسجة السليمة. مع مرور الوقت تتراكم هذه الأنسجة الندبية بشدة حتى يصعب على الكبد أداء وظائفه الطبيعية. وفي هذه الحالة يُصبح التليف شديدًا ويمكن أن يهدد الحياة إذا تقدم المرض دون علاج مناسب.

كيف يتكوّن النسيج الندبي في الكبد؟

في كل مرة يتعرض فيها الكبد لالتهاب (مثل عدوى فيروسية أو تعاطي كميات كبيرة من الكحول)، يبدأ بحفر قنوات جديدة لتصريف الدم وإصلاح الخلايا التالفة. ومع كل إصابة، يبدأ الكبد بإنتاج كميات من الأنسجة المتليفة (Scar tissue) لتحل محل ما تلف من أنسجة سليمة. هذه الأنسجة المتليفة ليست وظيفية مثل أنسجة الكبد العادية؛ فتراكمها على مدى سنوات هو ما يؤدي في النهاية إلى تليف الكبد وتراجع وظائفه.

لماذا تختلف الأعراض أحيانًا باختلاف الجنس؟

تلعب العوامل الهرمونية والوراثية دورًا في اختلاف انتشار المرض وتطوره بين الجنسين. فالنساء أكثر عرضة لوجود أمراض مناعية (مثل التهاب الكبد الصفراوي الأولي والكبد المناعي) التي يمكن أن تتطور إلى تليف. أما الرجال فكانوا تاريخيًا أكثر عرضة للتليف الناجم عن الفيروسات الكبدية أو تعاطي الكحول. وبشكل عام، يُعتقد أن الاختلاف يعود جزئيًا إلى تأثير الهرمونات الأنثوية على الأيض والمسارات الالتهابية، واختلاف تنظيم المناعة بين الجنسين. هذه الفروق تجعل النساء أحيانًا يظهرن أعراضًا مختلفة أو في مراحل مختلفة مقارنة بالرجال.

عوامل الخطر الخاصة بالنساء

هناك عدة عوامل تزيد من خطر تليف الكبد لدى النساء بشكل خاص:

  • الهرمونات وتعاطي موانع الحمل: تحتوي حبوب منع الحمل وما شابهها على هرمونات أنثوية (كالإستروجين) قد تؤثر على الكبد. فالاستخدام المطوّل للهرمونات والوسائل المانعة للحمل قد يكون مرتبطًا بمشاكل كبديّة مثل ركود الصفراء (cholestasis) وتكوّن أورام كبدية (الأورام الحميدة أو الأيضية) في حالات نادرة. ومع أن التركيبات الحديثة أقل خطورة، يجب استخدام هذه العلاجات بحذر وبإشراف طبي خاصة عند وجود أمراض كبديّة مسبقة. 
  • أمراض المناعة الذاتية والاضطرابات المرتبطة بالحمل: النساء أكثر عرضة للإصابة بأمراض مناعية مثل التهاب الكبد المناعي، والتي قد تتفاقم مع الوقت وتؤدي إلى تليف الكبد. كما أن التغيرات الهرمونية و الأيضية التي يفرضها الحمل قد تساهم في تفاقم أمراض الكبد الدهنية (على سبيل المثال قد تحدث حالة نادرة تُعرف باسم الكبد الدهني الحاد أثناء الحمل). لذلك يُنصح بمتابعة وظائف الكبد بعناية لدى الحوامل. 
  • الاستهلاك المزمن لبعض الأدوية: يمكن لبعض الأدوية إذا استخدمت دون رقابة طبية على المدى الطويل أن تُلحق ضررًا بالكبد كمسكنات الألم المشتقة من الأسبرين والإيبوبروفين، بعض المضادات الحيوية، أدوية الجهاز المناعي كالميثوتريكسيت، بعض المنشطات (Anabolic steroids)الدواء المضاد للصرع وبعض الأدوية النفسية. لذلك من المهم تجنب تناول الأدوية دون استشارة طبية، والمراقبة المستمرة لوظائف الكبد دوريًا.

اعراض تليف الكبد عند النساء

في المراحل المبكرة من تليف الكبد قد لا تكون هناك أعراض واضحة؛ وأحيانًا تُكتشف الحالة صدفةً عند إجراء فحوصات دم روتينية. مع تقدّم المرض تدريجيًا تظهر بعض الأعراض العامة المبكرة التي يجب الانتباه إليها:

هذه الأعراض المبكرة قد تفسر على أنها علامات لمشاكل صحية بسيطة؛ لذا يُفضل دائماً استشارة الطبيب عند استمرار أي من الأعراض السابق ذكرها.

اعراض تليف الكبد عند النساء المتقدمة والخطيرة

عندما يتطوّر التليف ويزداد تلف الكبد عند النساء، تظهر علامات متقدمة ومضاعفات خطيرة تستدعي تقييمًا طبيًا عاجلاً:

  • اليرقان (اصفرار الجلد والعينين): يحدث عندما يفقد الكبد القدرة على إزالة البيليروبين من الدم، فيصبح لون جلد المريض والعينين أصفر. وهذا من أهم علامات فشل الكبد المتقدم. 
  • تورم الساقين والكاحلين (الوذمة): بسبب احتباس السوائل وتراجع قدرة الكبد على إنتاج البروتينات اللازمة للحفاظ على توازن السوائل يظهر تورم في الأطراف السفلية، وقد يتطور إلى استسقاء البطن (تراكم السوائل في البطن). 
  • الحكة الجلدية الشديدة : تراكم السموم ووجود الصفراء يؤديان إلى حكة مزعجة في الجلد قد تتفاقم مع تطور المرض. 
  • اعتلال دماغي كبدي (تراكم السموم في الدماغ): في المراحل المتأخرة قد تتراكم السموم الناتجة عن فشل الكبد في تصفية الدم، مما يسبب اضطرابات عصبية مثل النسيان والارتباك والصعوبة في التركيز. وفي الحالات المتقدمة قد تظهر نوبات من الخمول الشديد أو حتى فقدان الوعي، وهو ما يعرف بالاعتلال الدماغي الكبدي الحاد.

كل هذه الأعراض المتقدمة تشير إلى تدهور خطير في وظيفة الكبد وتستلزم تدخلًا طبيًا عاجلاً.

تشخيص تليف الكبد

يتم تشخيص تليف الكبد عادة عبر فحوصات طبية متعددة:

  •  اختبارات الدم الروتينية: تكشف عن اضطرابات في وظائف الكبد (مثل ارتفاع البيليروبين، زيادة زمن التخثر، أو انخفاض ألبومين الدم)، وقد تُظهر مؤشرات لالتهاب أو التهابات فيروسية. 
  • فحوصات تصويرية للكبد: مثل الموجات فوق الصوتية أو الرنين المغناطيسي.
  • تقنيات حديثة غير جراحية: مثل (FibroScan) للكشف عن درجة تصلب الكبد.
  • في حالات قليلة قد يُلجأ إلى خزعة نسيجية من الكبد لتأكيد مدى التليف وحالته بدقة. 

مضاعفات تليف الكبد لدى النساء

إذا استمر تليف الكبد دون علاج كافٍ، قد تحدث مضاعفات صحية عدة تهدد الحياة:

  • ارتفاع ضغط الدم البابي (Portal Hypertension): تسبّب ندوب الكبد انسدادًا في تدفق الدم، مما يزيد الضغط في الوريد البابي. يؤدي ذلك إلى توسع أوردة المعدة والمريء وقد ينجم عنها نزيف داخلي خطير. 
  • الاستسقاء والوذمة: تراكم السوائل في البطن والساقين كما سبق واشرنا، مما يزيد من خطر العدوى البريتونية وخسارة المغذيات والسوائل. 
  • تشوّهات دموية وهشاشة العظام: قد يُصاب المرضى بهشاشة العظام (وخاصة النساء بعد انقطاع الطمث) حيث يؤثر الفشل الكبدي على توازن الكالسيوم وفيتامين د، مما يزيد خطر الكسور. 
  • سرطان الكبد: يضاعف التليف خطورة الإصابة بسرطان الكبد، لذلك يوصى بإجراء فحوصات دورية للكشف المبكر عنه.

علاج تليف الكبد لدى النساء

ترتكز استراتيجية العلاج على إبطاء تقدم التليف ومعالجة أسبابه وتخفيف الأعراض:

  • علاج السبب الأساسي: يشمل الامتناع التام عن الكحول لمن كان التشخيص مرتبطًا بالإفراط فيه، وخسارة الوزن والسيطرة على السكري لمرضى الكبد الدهني. وفي حال كان التليف ناتجًا عن أمراض مناعية (كالتهاب الكبد المناعي)، قد تُستخدم أدوية مثبطة للمناعة لتأخير تقدم المرض. 
  • التغذية والمكملات: يُنصح بتناول نظام غذائي غني بالخضار والفواكه، غني بالبروتينات النباتية والحيوانية الخالية من الدسم، مع تقليل الملح إلى أقل من 2 غرام يوميًا. قد يصف الطبيب مكملات غذائية وفيتامينات (خاصة فيتامينات ب وفيتامين د والكالسيوم) لتعويض النقص ومنع هشاشة العظام. في المقابل يجب تجنب المكملات العشبية غير الموثوقة التي قد تزيد من العبء على الكبد. 
  • علاج الأعراض والمضاعفات: يتم وصف مدرات البول (diuretics) مع حمية منخفضة الصوديوم للتحكم بالاستسقاء والوذمة. وأدوية للتحكم بضغط الدم البابي ومنع تضخّم الدوالي.

الوقاية من تليف الكبد لدى النساء

للوقاية من تليف الكبد أو تأخيره ينصح بما يلي:

  • التطعيم ضد التهاب الكبد: يُوصى بالحصول على التطعيمات ضد التهاب الكبد الوبائي الفيروسي من النوع A وB.
  • مراقبة الوزن وإدارة السكري: الحفاظ على وزن صحي ومؤشر كتلة جسم طبيعي يقي من أمراض الكبد الدهنية. واتباع حمية في حال وجود داء سكري، لتقليل احتشاء الكبد بالدهون.
  • تجنب الأعشاب والأدوية غير الموصوفة: كثيرٌ من الأعشاب والمكملات الغذائية قد تكون ضارة للكبد دون علم المريض؛ لذا يجب الامتناع عن استخدامها من دون استشارة الطبيب. كذلك من المهم عدم تجاوز الجرعات الموصى بها من الأدوية، والابتعاد عن التدخين وتعاطي المخدرات.

اقرأ أيضا : التهاب الكبد: أسبابه، أنواعه وأعراضه!

أسئلة شائعة قد تهمك 

هل يمكن الشفاء تمامًا من تليف الكبد؟

في الحالات المبكرة يمكن إيقاف تقدم المرض أو تقليله بمعالجة السبب الأساسي (كالتوقف عن الكحول، أو التحكم في أسباب الكبد الدهني أو علاج التهاب الكبد الفيروسي). هذا الأمر قد يعيد بعض الوظائف الطبيعية للكبد جزئيًا ويمنع المزيد من التلف. لكن التليف المتقدّم عادةً ما يبقى حالة غير قابلة للشفاء التام ويُدار دوائيًا لمنع تفاقم الأعراض.

في الختام، يعتمد سير المرض بشكل كبير على التشخيص المبكر والتدخل الطبي المناسب في مراحله الأولى. ويسهم اتباع نمط حياة صحي ومتابعة الفحوصات الدورية في تحسين فرص السيطرة على تليف الكبد.

إن تليف الكبد حالة صحية معقدة، قد يتطور دون أعراض واضحة في مراحله الأولى، لذا لايجب تجاهل اعراض تليف الكبد عند النساء المبكرة، والمتابعة الدورية مع الطبيب، بالإضافة إلى اعتماد نمط حياة صحي متوازن، يمكن أن يحدّ من تقدّم المرض ويخفّف من مضاعفات تليف الكبد.

إذا كنتِ تشعرين بأي أعراض غير معتادة، أو تتساءلين ما إذا كان هذا العلاج مناسبًا لحالتكِ، لا تترددي في زيارة موقعنا وحجز موعد مع طبيب مختص بأمراض الكبد. فسير المرض يعمد بشكل كبير على طريقة تعاملك.