تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى حدوث نحو 73 مليون حالة إجهاض سنويًا حول العالم، حيث تنتهي نحو 10–20% من إجمالي حالات الحمل بالإجهاض. وتُظهر هذه الأرقام أن الإجهاض تجربة شائعة، وغالبًا ما يتبعها تساؤل مشروع حول تأثيرها على الخصوبة وإمكانية الحمل مجددًا.
يهدف هذا المقال إلى توضيح أعراض تأخر الحمل بعد الإجهاض، وشرح الأسباب المحتملة، والتمييز بين التغيرات الطبيعية التي تزول تلقائيًا والعلامات التي تتطلب تقييمًا طبيًا، بالاعتماد على مصادر طبية موثوقة لضمان دقة المعلومات.
تنبيه طبي: هذا المقال للتوعية فقط ولا يغني عن استشارة طبيب أو طبيبة مختصّة لتقييم الحالة بشكل فردي.
ما الذي يحدث للجسم بعد الإجهاض؟
نظرة طبية على التغيرات الهرمونية.
بعد الإجهاض، يمرّ جسم المرأة بمرحلة إعادة توازن هرموني تدريجية، إذ تنخفض مستويات هرمون الحمل (hCG) بسرعة خلال أيام إلى أسابيع، تبعًا لعمر الحمل وطريقة الإجهاض. هذا الانخفاض يؤدي إلى تغيّرات مؤقتة في إفراز هرموني الإستروجين والبروجسترون، وهما عنصران أساسيان في تنظيم الدورة الشهرية والتبويض.
هل الإجهاض يؤثر على الخصوبة؟
من الناحية الطبية، لا يؤدي الإجهاض في أغلب الحالات إلى تأثير دائم على الخصوبة، خاصة إذا كان إجهاضًا مبكرًا ولم يترافق مع مضاعفات. وتطمئن الجمعية الأمريكية للحمل (American Pregnancy Association) إلى أن فرص الحمل الناجح تبقى مرتفعة بعد الإجهاض، إذ تشير إلى أن ما لا يقل عن 85% من النساء اللواتي تعرّضن لإجهاض واحد ينجحن في الحمل والإنجاب في المحاولة التالية، كما تبلغ نسبة الحمل الناجح نحو 75% حتى لدى النساء اللواتي مررن بتجربتي إجهاض أو ثلاث.
تعكس هذه الأرقام أن الإجهاض، في حدّ ذاته، لا يُعدّ سببًا مباشرًا للعقم، وأن معظم النساء يستعدن قدرتهن الطبيعية على الحمل مع مرور الوقت.
ما هو المعدل الطبيعي لعودة الخصوبة بعد الإجهاض؟
متى تعود الدورة الشهرية؟
تعود الدورة الشهرية لدى معظم النساء خلال 4 إلى 8 أسابيع بعد الإجهاض، وقد تختلف المدة باختلاف عمر الحمل السابق وطريقة الإجهاض والحالة الصحية العامة.
في بعض الحالات، قد تكون الدورة الأولى غير منتظمة أو مختلفة من حيث الغزارة أو مدة النزف، وهو أمر يُعدّ طبيعيًا ومؤقتًا، طالما عاد الانتظام خلال الدورات اللاحقة.
متى يحدث التبويض مجددًا؟
تشير مصادر طبية موثوقة، مثل Healthline، إلى أن التبويض قد يحدث في بعض النساء بعد الإجهاض خلال أسبوعين فقط، أي قبل ملاحظة أول دورة شهرية كاملة. ومع ذلك، قد يستغرق الجسم وعودة مستويات الهرمونات إلى التوازن الطبيعي ستة أسابيع أو أكثر بعد الإجهاض.
أعراض تأخر الحمل بعد الإجهاض
اضطرابات الدورة الشهرية.
بعد الإجهاض، قد تلاحظ بعض النساء تغيرًا في انتظام الدورة الشهرية أو مدة النزف وكميته. يحدث هذا غالبًا بسبب تغير مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون بعد فقدان الحمل، وقد يستغرق الجسم عدة دورات لإعادة التوازن الطبيعي.
ضعف التبويض أو تأخره.
يمكن أن يحدث تأخر في التبويض نتيجة تغيرات هرمونية مؤقتة بعد الإجهاض. بعض النساء قد يحدث لديهن تبويض مبكر بعد أسبوعين، بينما قد تتأخر عند أخريات عدة أسابيع.
تغيرات في الإفرازات المهبلية.
من الشائع حدوث تغيرات في الإفرازات المهبلية مثل زيادة سماكتها أو تغير اللون. هذه التغيرات غالبًا مؤقتة وتُعزى إلى تفاعل الجسم مع انخفاض مستويات الهرمونات وبدء التعافي. مع ذلك، إذا صاحب الإفراز رائحة كريهة أو حكة شديدة أو دم غزير غير معتاد، فهذا قد يشير إلى التهاب ويستلزم استشارة طبيب.
آلام الحوض أو أسفل البطن.
يمكن أن تشعر المرأة بـ آلام معتدلة في أسفل البطن أو الحوض بعد الإجهاض، نتيجة تقلصات الرحم أثناء التخلص من بقايا الحمل واستعادة حجمه الطبيعي. عادةً ما تخف هذه الآلام خلال أيام قليلة، لكنها قد تستمر أطول إذا كان هناك بقايا نسيجية أو التهاب، ما يستدعي التقييم الطبي الفوري.
أعراض نفسية قد تؤثر على الخصوبة (توتر – خوف – اكتئاب).
الإجهاض قد يترك آثارًا نفسية مؤقتة، مثل التوتر أو الخوف من تكرار التجربة أو الاكتئاب. هذه الحالة النفسية يمكن أن تؤثر بشكل غير مباشر على الخصوبة، من خلال اضطراب الدورة أو التأثير على التبويض. الدعم النفسي، والمحادثة مع مختص، ومشاركة التجربة مع شريك أو مجموعة دعم يمكن أن تساعد على التعافي بشكل أسرع.
أسباب تأخر الحمل بعد الإجهاض
تغيرات هرمونية طبيعية.
بعد الإجهاض، يمرّ الجسم بمرحلة إعادة ضبط هرمونية، حيث تنخفض مستويات هرمون الحمل (hCG)، ويتأثر توازن الإستروجين والبروجسترون المسؤولين عن تنظيم التبويض وبطانة الرحم. هذه التغيرات غالبًا ما تكون مؤقتة، لكنها قد تؤدي إلى تأخر التبويض أو عدم انتظام الدورة لبضعة أسابيع، ما ينعكس على توقيت حدوث الحمل.
وجود بقايا نسيجية في الرحم.
في بعض الحالات، قد تبقى بقايا نسيجية من الحمل داخل الرحم بعد الإجهاض، خاصة إذا لم يكتمل الإجهاض بشكل تام. هذه البقايا قد تعيق عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي، وتؤثر على انتظام الدورة أو جاهزية بطانة الرحم للحمل، ما يؤدي إلى تأخر الحمل إلى حين علاج الحالة.
التهابات بعد الإجهاض.
قد تتعرض بعض النساء لـ التهابات رحمية أو مهبلية بعد الإجهاض، خاصة في حال وجود بقايا نسيجية أو ضعف في المناعة. هذه الالتهابات قد تؤثر على البيئة الداخلية للرحم وقناتي فالوب، مما يقلل من فرص انغراس البويضة المخصبة ويؤخر الحمل إذا لم تُشخَّص وتُعالج في الوقت المناسب.
بطانة رحم غير جاهزة للزرع.
نجاح الحمل لا يعتمد فقط على التبويض، بل يتطلب أيضًا بطانة رحم سليمة وجاهزة للانغراس. بعد الإجهاض، قد تحتاج بطانة الرحم إلى وقت للتجدد، خصوصًا إذا كان الإجهاض متقدمًا أو تكرر أكثر من مرة. عدم سماكة البطانة أو ضعف ترويتها الدموية قد يؤدي إلى تأخر حدوث الحمل.
سبب مرتبط بالعمر أو الحالة الصحية.
في بعض الحالات، لا يكون تأخر الحمل مرتبطًا بالإجهاض نفسه، بل بعوامل أخرى مثل تقدم عمر المرأة، أو وجود مشكلات صحية سابقة كاضطرابات الغدة الدرقية، تكيس المبايض، أو فقر الدم. قد يكشف الإجهاض عن مشكلة صحية كانت موجودة مسبقًا وتحتاج إلى تقييم وعلاج قبل حدوث حمل جديد.
متى يكون تأخر الحمل بعد الإجهاض طبيعيًا؟ ومتى يدعو للقلق؟
التأخر الطبيعي خلال 3–6 أشهر.
يُعدّ تأخر الحمل لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر بعد الإجهاض أمرًا طبيعيًا في معظم الحالات، خاصة إذا كانت الدورة الشهرية قد عادت إلى الانتظام ولم تظهر أعراض غير معتادة. خلال هذه الفترة، يكون الجسم في مرحلة استعادة التوازن الهرموني وتجدد بطانة الرحم، وهي عملية قد تختلف سرعتها من امرأة لأخرى. لذلك، لا يُنصح عادة بالقلق أو إجراء فحوصات مبكرة ما لم توجد أعراض مرافقة.
أعراض تستدعي مراجعة الطبيب فورًا.
يُنصح بمراجعة الطبيب دون تأخير في حال ظهور أعراض مثل:
- انقطاع الدورة الشهرية لأكثر من 3 أشهر بعد الإجهاض.
- نزيف مهبلي غير طبيعي أو متكرر.
- آلام شديدة أو مستمرة في الحوض أو أسفل البطن.
- إفرازات مهبلية ذات رائحة كريهة أو لون غير معتاد.
- عدم حدوث حمل بعد 6 أشهر رغم عودة الدورة إلى الانتظام.
- ظهور أعراض عامة مثل الحمّى أو التعب الشديد.
الفحوصات المطلوبة عند تأخر الحمل بعد الإجهاض
فحص الرحم بالسونار.
يُعدّ التصوير بالموجات فوق الصوتية (السونار) من أولى الفحوصات التي يطلبها الطبيب عند تأخر الحمل بعد الإجهاض. يهدف هذا الفحص إلى تقييم شكل الرحم وسماكة بطانته، والتأكد من عدم وجود بقايا نسيجية أو تكيسات أو تشوهات قد تعيق انغراس البويضة. كما يساعد على الاطمئنان إلى سلامة المبايض ونشاطها.
تحاليل الهرمونات (FSH، LH، AMH، Prolactin).
تلعب الهرمونات دورًا أساسيًا في الخصوبة، لذلك قد يطلب الطبيب إجراء تحاليل مثل FSH وLH لتقييم وظيفة المبيضين، وAMH لتقدير مخزون البويضات، إضافة إلى هرمون البرولاكتين (Prolactin) الذي قد يؤثر ارتفاعه على التبويض. تساعد هذه التحاليل على تحديد ما إذا كان تأخر الحمل ناتجًا عن خلل هرموني قابل للعلاج.
تحليل الغدة الدرقية.
تؤثر الغدة الدرقية بشكل مباشر على انتظام الدورة الشهرية والتبويض. لذا يُعدّ فحص هرمونات الغدة الدرقية (TSH وأحيانًا T3 وT4) خطوة مهمة عند تأخر الحمل، خاصة بعد الإجهاض. سواء كان هناك قصور أو فرط في نشاط الغدة، فإن علاجه غالبًا يساعد على تحسين فرص الحمل.
نصائح لزيادة فرصة الحمل بعد الإجهاض
تحسين التبويض طبيعيًا.
- تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ.
- ممارسة نشاط بدني معتدل بانتظام (مثل المشي).
- الحفاظ على وزن صحي وتجنب النحافة أو السمنة.
- التوقف عن التدخين وتقليل الكافيين.
- متابعة الإباضة بطرق طبيعية عند الحاجة.
نظام غذائي داعم للخصوبة.
- الإكثار من الخضروات الورقية والفواكه الطازجة.
- تناول بروتينات صحية مثل السمك، البيض، والبقوليات.
- إدخال الدهون الصحية مثل زيت الزيتون وأوميغا-3.
- الحصول على كمية كافية من الحديد وحمض الفوليك.
- شرب الماء بانتظام وتجنب الأطعمة المصنعة.
إدارة التوتر والضغط النفسي.
- تخصيص وقت يومي للاسترخاء والراحة.
- ممارسة تمارين التنفس أو التأمل.
- التحدث مع الشريك أو شخص موثوق عن المشاعر.
- طلب دعم نفسي متخصص عند الشعور بالحزن أو القلق المستمر.
هل الإجهاض المتكرر يؤخر الحمل؟
قد يؤدي الإجهاض المتكرر إلى تأخر الحمل في بعض الحالات، ليس بسبب الإجهاض بحد ذاته دائمًا، بل نتيجة أسباب كامنة مثل اضطرابات هرمونية، تشوهات رحمية، أو مشكلات وراثية أو مناعية. فمعظم النساء اللواتي يتعرضن لإجهاضات متكررة يمكنهن الحمل لاحقًا بنجاح بعد تحديد السبب وعلاجه، مما يجعل التقييم الطبي المبكر خطوة أساسية في هذه الحالات.
يُعدّ تأخر الحمل بعد الإجهاض أمرًا شائعًا وغالبًا ما يكون مؤقتًا، إذ يحتاج الجسم إلى وقت لاستعادة توازنه الهرموني. ومع المتابعة الطبية عند الحاجة، ونمط حياة صحي، تستعيد معظم النساء خصوبتهن ويزداد احتمال حدوث حمل ناجح.