هذه القصة و قصص أخرى شبيهة، تُثير موضوعا يتأرجح بين الدليل العلمي والعاطفة. هل تؤدي زراعة الأعضاء عامة وزراعة القلب خاصة إلى تغيرات في الأحاسيس والشخصية والميولات والمواهب لدى الشخص المستقبل؟  

زرع القلب: بين مؤيد ومعارض

يستند مؤيدو هذه النظرية إلى عشرات الحكايات حول تغيرات ملحوظة في تصرفات المستقبلين في اتجاه محاكاة ميولات المتبرعين الموتى، منهم من أصبح فنانا دون سابقة تُذكر في الفن، و منهم من تغير ميوله من الموسيقى الكلاسيكية إلى الراب Rap، و منهم من سار يعشق اللون الوردي بعد أن كان أبعد الألوان من قلبه. وحسب هذا الفريق، يرجع السبب في ذلك إلى نظرية “الذاكرة الخلوية” التي تقول أن الذكريات والميولات النفسية علاوة على تسجيلها في الدماغ، فإنها تُحفر كذلك في المادة الجينية لجميع الخلايا (الADN، ال ARN و بعض البروتينات).

أما المخالفون لهذا الرأي، فيرون بكل بساطة أنه لا دليل علمي على تدخل هذه الذاكرة الخلوية المزعومة في تغيير سلوكيات الناس، وأن ذلك مرتبط بعناصر أخرى لا علاقة لها بالموروث الجيني للمتبرعين. ويرون أن العملية الجراحية وظروف الاستشفاء والمحنة النفسية التي تواكب ذلك كفيلة بإحداث تغيرات عميقة في السلوك. كما أن سماع المرضى لهذه القصص، و معرفتهم لبعض تفاصيل الشخص المتبرع، يدفع اللاوعي إلى تبني سلوكيات جديدة هي في الحقيقة ناجمة عن تغير ذاتي وليس عن استقبال مادة جينية غريبة تحمل في طياتها ذكريات من ماضي المتبرع.

شاهد: أطباء ينجحون في زراعة قلب خنزير

دراسة.. هل تغيير القلب يعني تغيير الشخصية؟

أجريت دراسة على مدار عامين، في فيينا، النمسا، على 47 مريضاً خضعوا لزراعة القلب، حيث تم تجميع أجوبتهم عمَّا إذا لاحظوا أي تغيرات في العادات والسلوك بعد عملية زرع القلب، وحسب أجوبتهم تم تصنيفُهم إلى ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى

مثلت 79% من المرضى الذين شملتهم الدِّراسة، وكان جوابهم عدم ملاحظة أي تغيير إثر تلقيهم العضو الجديد.

المجموعة الثانية

تضمّنت 15% ممَّن أكدوا بأن تغيرا ما قد طرأ على شخصياتهم، ولكنه ليس نتيجةَ الزرع! لكن نتيجة تجربة الاقتراب من الموت قبل إجراء عملية الزرع.

المجموعة الثالثة

شكلت فقط 6% من المشمولين بالدّراسة (3 مرضى)، أظهروا أن تغيرا ملحوظا قد طرأ على شخصياتهم بعد حصولهم على قلب جديد إثر عملية الزرع، وأن هذا الاندماج مع العضوِ الجديد أدى بهم إلى تغييرِ مشاعرهم وردات فعلهم.

أخيرا، إن عجائب جسم الإنسان والبيولوجيا الخلوية لم تفصح بعدُ عن جميع أسرارها، ولا زال العلم كُلما اخترق مجهولا وفتح بابا جديدا للمعرفة، إلا ووجد أمامه بحرا من الغموض وعلامات الاستفهام والمناطق الرمادية التي تُصبح فيها “النظرية” هي أقصى ما يُمكن أن يصل إليه العقل البشري!