وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية فإن 24.3% من سكان العالم يعانون من فقر الدم، خاصة النساء في سن الإنجاب (نحو 33.7٪)، والأطفال دون سن الخامسة (نحو 40٪).
في هذا المقال، سنستعرض العلاقة بين نقص الحديد والصحة النفسية، ونوضح كيفية التعرف عليه والتعامل معه بشكل فعّال.

ما هو فقر الدم وكيف يؤثر على الجسم؟

تعريف فقر الدم وأنواعه

فقر الدم هو حالة تحدث عندما لا يحتوي الدم على ما يكفي من خلايا الدم الحمراء السليمة أو الهيموغلوبين، مما يؤدي إلى نقص في نقل الأكسجين إلى أنسجة الجسم. تتعدد أنواع فقر الدم، ولكن الأكثر شيوعًا هو فقر الدم الناتج عن نقص الحديد.

دور الحديد في الجسم وأهمية الهيموغلوبين

الحديد عنصر أساسي في إنتاج الهيموغلوبين، البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء والمسؤول عن نقل الأكسجين من الرئتين إلى باقي أجزاء الجسم. عندما يقل مستوى الحديد، ينخفض إنتاج الهيموجلوبين، مما يؤدي إلى أعراض مثل التعب والضعف وضيق التنفس.

العلاقة بين فقر الدم والصحة النفسية

بعد فهمنا لتأثير فقر الدم على الجسم، من المهم استكشاف كيف يمكن أن يؤثر نقص الحديد على الصحة النفسية والعقلية. فوفقًا للخبراء، تأثير الحديد يتجاوز دوره الفيزيولوجي ليمس مباشرة وظائف الدماغ.

كيف يؤثر نقص الحديد على الدماغ؟

الحديد ضروري لوظائف الدماغ، حيث يساهم في إنتاج النواقل العصبية التي تنقل الإشارات بين الخلايا العصبية. تشير الدراسات أن من بين أعراض فقر الدم النفسية, انخفاض الأداء العقلي والتركيز والوظائف العقلية الأخرى.

دور الحديد في إنتاج النواقل العصبية مثل السيروتونين

السيروتونين هو ناقل عصبي يلعب دورًا في تنظيم المزاج والنوم والشهية. الحديد يشارك في تصنيع الإنزيمات اللازمة لتحويل التريبتوفان إلى سيروتونين، لذا فإن نقص الحديد يمكن أن يسبب تراجع مستوياته، ويزيد من مخاطر الاكتئاب والقلق.

أعراض فقر الدم النفسية

مع تأثير نقص الحديد على وظائف الدماغ والنواقل العصبية، تظهر مجموعة من أعراض فقر الدم النفسية التي قد تكون مؤشراً على فقر الدم، وفيما يلي أهمها:

الاكتئاب وفقدان الاهتمام

نقص الحديد يمكن أن يؤدي إلى مشاعر الحزن المستمر وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، وهي أعراض شائعة للاكتئاب. تشير دراسة نُشرت في مجلة Psychiatry and Clinical Neurosciences إلى أن معدل انتشار فقر الدم كان أعلى في مجموعة المصابين بالاكتئاب مقارنة بغير المصابين لدى الرجال (حوالي 7 ٪ مقابل 4 ٪) والنساء (حوالي 33 ٪ مقابل 26 ٪).

القلق والتوتر المستمر

القلق المستمر والشعور بالتوتر قد يكونان مرتبطين بنقص الحديد، حيث أن انخفاض مستويات الحديد يؤثر على النواقل العصبية المسؤولة عن تنظيم المزاج والاستجابة للتوتر.

اضطرابات النوم والأرق

تشير دراسة نشرت في المجلة الطبية الصينية عام 2021 إلى أن المصابين بفقر الدم كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأرق مقارنة بغير المصابين، حيث وجد الباحثون أن وجود فقر الدم زاد من فرص الإصابة بالأرق بنسبة 32٪.

صعوبة التركيز وضعف الذاكرة

تشير مراجعة نشرت في مجلة Neuropsychiatr Dis Treat عام 2014 إلى أن نقص الحديد يمكن أن يؤدي إلى صعوبة في التركيز وضعف في الذاكرة، حيث أن الدماغ لا يحصل على كمية كافية من الأكسجين والمواد المغذية اللازمة لوظائفه.

اقرأ أيضا : كيف أعرف أني أعاني من فقر الدم؟

كيف يتم تشخيص فقر الدم المرتبط بأعراض نفسية؟

تشخيص فقر الدم المرتبط بأعراض نفسية يتم عبر مزيج من الفحوصات الجسدية، والتحاليل المخبرية، والتقييمات النفسية، لأن الأعراض مثل الاكتئاب، القلق، وصعوبة التركيز قد تكون مشتركة بين عدة حالات. إليك خطوات التشخيص بشكل مبسّط:

الفحوصات المخبرية المطلوبة

لتشخيص فقر الدم، يُجري الأطباء اختبارات دم لقياس مستويات الهيموغلوبين، الحديد، والفريتين. تشير القيم المرجعية إلى أن مستوى الهيموغلوبين أقل من 12 غ/دسل للنساء، و13 غ/دسل للرجال قد يشير إلى وجود فقر دم.

التقييم النفسي والتاريخ الطبي

بالإضافة إلى الفحوصات المخبرية، يُجرى تقييم نفسي شامل يشمل مراجعة التاريخ الطبي، الأعراض النفسية الحالية، والعلامات الظاهرة لفقر الدم (شحوب الجلد أو الأظافر، تسارع النبض). هذا يساعد في تحديد ما إذا كانت الأعراض النفسية ناتجة عن نقص الحديد أو أسباب أخرى.

طرق علاج فقر الدم وتحسين الصحة النفسية

المكملات الغذائية والعلاج الدوائي   

يُنصح بتناول مكملات الحديد تحت إشراف طبي. مع العلم أن استجابة المرضى تختلف باختلاف شدة النقص؛ فالحالات المزمنة قد تستغرق من شهرين إلى أربعة أشهر أو أكثر للتحسّن. لذلك فإن الصبر والمتابعة الدورية أساسيان. كما ينبغي التنويه إلى أن بعض العوامل، مثل أمراض الأمعاء المزمنة أو نقص فيتامين C، قد تؤخر امتصاص الحديد.

التغييرات في النظام الغذائي

اتباع نظام غذائي غني بالحديد يمكن أن يساعد في تحسين مستويات الحديد في الجسم. تشمل الأطعمة الغنية بالحديد: اللحوم الحمراء، الكبد، البقوليات، العدس، السبانخ، والفاكهة المجففة.

الدعم النفسي والعلاج السلوكي

الدعم النفسي والعلاج السلوكي يمكن أن يكونا مفيدين في التعامل مع الأعراض النفسية المرتبطة بفقر الدم، مثل الاكتئاب والقلق. لذا يُوصى بإشراك أخصائي نفسي عند استمرار الأعراض رغم العلاج الجسدي.

اقرأ أيضا : فقر الدم: مرض دائم أم قابل للعلاج؟

نصائح للوقاية من فقر الدم ومضاعفاته النفسية

المتابعة الدورية مع الطبيب

إجراء فحوصات دورية لمستويات الحديد والهيموغلوبين يساعد في الكشف المبكر عن أي نقص ومعالجته قبل تطور الأعراض.

الاهتمام بالصحة النفسية والعقلية

الاهتمام بالصحة النفسية من خلال تقنيات الاسترخاء، ممارسة الرياضة، والحصول على الدعم النفسي عند الحاجة، بالموازاة مع اتباع نظام غذائي غني بالحديد، يمكن أن يساعد في تقليل تأثيرات فقر الدم النفسية.

 

فقر الدم بسبب نقص الحديد قد ينعكس ليس فقط على طاقتك الجسدية، بل أيضًا على حالتك النفسية والمزاجية. التعرّف على الأعراض النفسية المرتبطة بهذه الحالة والتعامل معها بجدية يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا في حياتك اليومية.