حسب المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية، يصيب اكتئاب ما بعد الولادة 15% من الأمهات. قد يبدأ قبل الولادة بقليل أي في الأسابيع الأخيرة للحمل أو بعد الولادة مباشرة، ولكنه عادة ما يبدأ بعد الولادة بأسبوع إلى شهر، وهو حالة متوسطة إلى شديدة الخطورة؛ إذ في حال عدم علاجه قد يستمر لأشهر أو لسنوات، وقد يؤدي إلى عدم توفير الأم للرعاية الملائمة لطفلها مما يؤدي إلى تعرضه لمشاكل بالنمو والتطور البدني والنفسي.

أنواع اكتئاب ما بعد الولادة:

تشير إحدى الدراسات إلى أن حوالي 85% من الأمهات يعانين من أحد أنواع الاضطرابات المزاجية، والتي قد تحدث بعد الولادة، وهي ثلاثة أنواع:

1. حزن ما بعد الولادة أو الكآبة النفاسية Postpartum Blues

هو حالة طبيعية وعابرة، تصيب معدلا يتراوح بين 50 و85% من النساء حديثات الوضع، وتصيب المرأة خلالها تقلبات مزاجية مفاجئة، قد تستمر هاته الحالة بضعة أيام فقط أو لمدة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين بعد الولادة، ثم تختفي بشكل تلقائي، من أهم هذه التقلبات:

  • الشعور بالسعادة، ثم الشعور بالحزن الشديد.
  • القلق والحزن والبكاء لأبسط الأسباب.
  • الشعور بالإرهاق وانخفاض التركيز.
  • مشاكل الشهية.
  • صعوبة في النوم.

2. ذهان ما بعد الولادة Postpartum Psychosis

هي حالة نفسية حادة جدا تظهر أعراضها في الأسبوع الأول بعد الولادة، وهي نادرة، تحتاج إلى تدخل طبي مستعجل، تتمثل أعراضها في:

  • الدخول في حالات هلوسة، وتخيلات أشخاص، أو تصرفات غير مفهومة.
  • اضطراب في النوم، وعدم القدرة على تحديد الوقت، وعدم معرفة المكان وحالة عامة من التيه والضياع.
  • الشعور بطاقة عارمة توحي للمرأة بأنها قادرة على القيام بالكثير من الأعمال الخارقة.
  • الإقدام على الانتحار.

3. اكتئاب ما بعد الولادة Postpartum Depression

تتضمن أعراض اكتئاب ما بعد الولادة بالأساس:

  • الشعور بالحزن أو التقلُّبات المزاجية الحادة، حيث تشعر الأم بأنها في حال سيئة جدا خصوصا خلال أوقات معينة من اليوم
    الإفراط في البكاء والتهيُّج الشديد والغضب.
  • الرغبة في العزلة والابتعاد عن العائلة والأصدقاء، والهرج والأصوات والحركة.
  • نوبات القلق أو الهلع الشديدة كالخوف من أن تبقى الأم لوحدها مع الطفل، حيث تواجه صعوبة في التعلق بالمولود، إذ تجده غير جميل، أو نحيفا أو كثير البكاء، مما يصيبها بالتوتر فتشعر بالذنب أو العجز.
  • فقدان الشهية والشعور بالتعب الشديد، ونقص الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تبعث على المتعة والفرح.
  • اضطرابات النوم، وانخفاض القدرة على التفكير بوضوح، أو التركيز، أو اتخاذ القرارات.

قد تراود الأم أفكارا بإيذاء نفسها أو إيذاء الطفل أفكار سوداوية كالرغبة بالموت أو التخطيط لـ الانتحار.

أسباب اكتئاب ما بعد الولادة

يمكن حصر الأسباب المؤدية إلى الاكتئاب عقب الولادة في:

  • التغيرات الهرمونية السريعة على رأسها الانخفاض الكبير والمفاجئ لهرموني (الإستروجين والبروجيسترون)، وانخفاض الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية.
  • فشل الرضاعة الطبيعية وما يتبعه من مشاعر بالإخفاق وضغوط المحيطين بالأم، ورفض الرضيع، ألم الرضاعة، خوف الرضيع من الم الام، تجد الأم نفسها في حلقة مفرغة.
  • حمل غير مرغوب فيه، أو صعوبة الولادة، أو حدوث الولادة قبل أو بعد التاريخ الذي كان متوقعا.

تؤثر هذه الأسباب مجتمعة في نوع وشدة الاكتئاب، هذا في الوضع العادي للمرأة، ويزداد الأمر سوءاً مع المرأة المعنّفة أو التي تعيش ظروفاً غير مستقرة اجتماعيا كالانفصال أو تعرضها لطارئ من الطوارئ النفسية كوفاة الزوج أو الطلاق أو التشرد.

المضاعفات

يكون أطفال الأمهات اللائي أُصبن باكتئاب ما بعد الولادة، ولم يُعالَجن، أكثر عرضةً للمشاكل العاطفية والسلوكية؛ مثل:

  • صعوبات النوم.
  • مشاكل في التغذية والرضاعة.
  • الإفراط في البكاء.
  • تأخر اكتساب مهارة اللغة.
  • الاضطرابات السلوكية.

طرق الوقاية

خلال الحمل:

  • الحرص على التمسك بالموروث الثقافي والعادات، من حناء سبعة أشهر، وتحضير سلو العقيقة وخياطة قفطان النفيسة ولبيسة المولود وإخوته، واقتناء أجود أنواع العود، وهدايا زوار النفيسة بالمصحة ثم بالبيت، والزرور التي تقدم من طرف الزوار مباشرة بعد رؤية المولود، والصلاة على النبي والتسمية قبل حمل الرضيع وعند وضعه…وغيرها.
  • التعود على اسشارة الأطباء لأن الطبيب ينصحك بالوقاية وسبل تجنب المرض قبل وقوعه، وليس الطبيب للعلاج فقط!

بعد الولادة:

  • التواصل الإيجابي والمستمر مع الآخرين، وقبول المساعدة من أفراد العائلة والمقربين وعدم التردد في طلب العون.
  • الحرص على أن تكون الأم محاطة بقلوب داعمة، وأيدي تحمل عنها الرضيع خلال الأيام الأولى بعد الولادة.
  • انتهاز الأم للفرصة عند نوم الرضيع للحصول على قسط من الراحة، بأخذ غفوات قصيرة.
  • الحرص على الأطعمة الصحية.
  • الحرص على اغتنام وقت نوعي مع الزوج، مما يساعد على تلقي الدعم من بعض، ويساعد على حل المشكلات.

طرق العلاج

غالبًا ما يتم علاج اكتئاب ما بعد الولادة باستخدام:

 العلاج النفسي

يتمثل في التحدث مع طبيب نفسي أو اختصاصي الصحة النفسية، من خلال برنامج جلسات علاجية تسمى العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioural Therapy)، مما يساعد الأم على التعامل مع المشاعر بشكل سليم، وحل المشكلات الدفينة والخاصة، ومقاومة الأفكار السلبية وتغيير نظرة العامة تجاه النفس والحياة.

مُضادَّات الاكتئاب

قد يوصي الطبيب بتناول أدويةِ مضادة للاكتئاب إن استدعت لذلك الضرورة، ونظرا لكون الدواء يتسرب لحليب الأم المرضع، يطلب الطبيب من الأم التوقف عن إرضاع طفلها، لأن فترة العلاج تصل لمدة ستة أشهر أو أكثر.
وينبغي على المرأة أن تبادر باستشارة الطبيب في أقرب وقت إذا كانت علامات وأعراض الاكتئاب:

  • لم تختف بعد أسبوعين من الولادة أو صارت أكثر حدة.
  • أصبح من الصعب عليها الاعتناء بالطفل وأداء المهام اليومية.
  • صارت تراودها أفكار عن إيذاء نفسكِ أو إيذاء طفلكِ.

وفي الختام، إن اكتئاب ما بعد الولادة واقع صعب، وكل امرأة معرضة للإصابة به، والفخ هو أن تصاب به وهي تجهل سبب ما يحدث معها، لذا بادري بطلب المساعدة بمجرد شعورك بالحاجة لها، لأن العلاج سيجعلك تستمتعين بجميع لحظاتك مع طفلك، وسيساهم في أن يكبر طفلك في بيئة صحية.